منذ توقيع الإتفاق التاريخي والهام بين إيران والدول الكبرى حول الملف النووي الإيراني وردود الفعل دولياً وإقليمياً ولبنانياً تتواصل بين مرحب ومهنئ ومشكك ومتخوف ، ولأننا لا نستطيع أن ننقل ونعلق على كل المواقف التي أطلقت والتي تحتاج لتحليلات وقراءات مطولة ، لا بد من التوقف عند بعض المواقف الهامة والجريئة ومنها تلك التي أطلقها رئيس كتلة تيار المستقبل ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والتي قال فيها :
" نحن كنا وما زلنا نسعى إلى إنشاء علاقات صحيحة بيننا وبين الدولة الإيرانية وخصوصاً أنه بين الدول العربية وإيران، هناك على الاقل ثلاثة أمور أساسية تجمعنا مع ايران ، وهي :
التاريخ الطويل في العلاقة بين إيران والدول العربية في حلوها ومرّها ، ولكن هناك تاريخ للعلاقة بين هذين المنطقتين ، هناك جغرافيا متصلة بين الدول العربية وإيران وهناك مصالح حقيقية، ويجب أن تكون مستقرة ودائمة بين إيران والدول العربية، وعلى هذا الأساس، يجب أن تكون العلاقة مبنية على أساس الإحترام المتبادل ، وعدم التدخل في شؤون الدول في هذه المنطقة .
هذه الأمور هي من الأساسيات، وفي الوقت الذي تدلهم فيه المشكلات وتصعب وتصبح الرؤيا صعبة، فمن أهم الامور، في كيفية معالجة هذه المشكلات، العودة إلى الأساسيات ، فعندما ننظر إلى المسألة من هذه الزاوية، تتضح الصورة لنا جميعاً ، فنحن حريصون على بناء علاقة سليمة وسوية بيننا وبين إيران ، لكن على أساس هذه العلاقة المبنية على الصداقة لا السيطرة وفرض الهيمنة والنفوذ، وهذا لا يمكن أن يستقيم .
وما لم يحدث على مدى 1500 سنة، لا يمكن أن يحدث خلال السنوات الـ1500 المقبلة ، وليكن هذا واضحاً لدى الجميع بأنّ هذه هي البنية الحقيقية التي تبنى عليها العلاقات بين الدولة الإيرانية والدول العربية .
وعلى هذا الأساس أعتقد أنه في الإمكان التقدم نتيجة هذا الإتفاق الذي هو من الأهمية بمكان، ويتيح مرة ثانية لهذه العلاقة أن تبنى على أسس سليمة كما يتيح للدولة الإيرانية، بدلاً من توجيه كل هذه الموارد لما يسمى الأغراض العسكرية، أن توجهها لمصلحة شعبها ".
وأشارالرئيس السنيورة إلى أنّ هناك «مسألة في غاية الأهمية وردت على لسان أعتقد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي ، وتتعلق بأهمية التوصل إلى حلول ونتائج عبر الحوار والتواصل، وهو أمر مخالف للأسلوب الذي يتوخى استعمال السلاح أو القوة في هذا الشأن .
أعتقد قضية بهذا الحجم وعلى أهميتها تمّ التوصل إليها عبر الحوار الذي أشار إليه السيد خامنئي، وأعتقد أنّ ما يسري على علاقة إيران مع المجتمع الدولي، يمكن أن يسري أيضاً على إيجاد العلاقة السليمة والصحيحة والسوية بين إيران والدول العربية».
هذه التصريحات التي أطلقها الرئيس السنيورة تعليقاً على الإتفاق تشكل مقاربة جديدة وهادئة وموضوعية وهي تفتح الباب أمام حوار جدي وحقيقي بين إيران والدول العربية بعد الإتفاق النووي، وأهمية هذه المواقف كونها أتت على لسان الرئيس السنيورة وهو رئيس كتلة نواب تيار المستقبل وأحد أهم قيادات التيار وكان يوصف عادة بأحد صقور التيار، وأنه على صلة جيدة بالسعودية وأنه كان يأخذ مواقف متشددة وسلبية ضد إيران ويطلق عليها توصيفات مختلفة.
إذن نحن أمام مقاربة جديدة وهي تحتاج أولاً أن تلاقى بشكل إيجابي من قبل إيران وحلفائها في لبنان والمنطقة ، وأن يتم دراستها بشكل جيد من قبل قوى 14 اذار وقيادات تيار المستقبل وبعض الشخصيات اللبنانية التي أطلقت تصريحات سلبية ضد ايران والإتفاق مثل النائب وليد جنبلاط .
لقد أصبح محسوماً أنّ الإتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى سينقل العالم والمنطقة نحو مرحلة جديدة وأنّ المطلوب من الجميع دراسة أبعاد الإتفاق ودلالاته والبحث حول إنعكاساته المستقبلية والتركيز على المفاعيل الإيجابية للإتفاق .
ولعل مواقف الرئيس فؤاد السنيورة نموذج مهم لهذه القراءة علينا جميعاً التوقف عندها والإستفادة منها وتوجيه التحية للرئيس السنيورة على جرأته وموضوعيته في هذا المجال .