إنه إتفاق تاريخي بكل المقاييس ، وإنجاز دولي كامل الأوصاف لجهة التداعيات والإنعكاسات التي سيتركها ليس فقط على الدول التي شاركت في المفاوضات وتمكنت بعد جهود مضنية وحثيثة امتدت لسنوات من التوصل لإنجاز هذا الإتفاق بين إيران والدول الغربية الست ، بل إن انعكاساته ستصيب مجمل الإقليم العربي ، وتأثيراته قد تطال معظم دول العالم سلباً أو إيجاباً .

وقد يكون من السابق لأوانه استخلاص قراءة محددة لمستقبل المنطقه على ضوء الاتفاق ، سيما وأن جانب كبير من المفاوضات وتفاصيل كثيرة كان يتم بحثها خلف الأبواب المغلقة ، وليس من الواقعية بشيء الغرق في بحور من التفاؤل التي تستند إلى كثير من التمنيات وقليل من الحقائق والموضوعية .

فالإتفاق يرمي وقبل  أيّ شيء آخر إلى تحقيق مصالح الدول المعنية وهما الشيطان الأكبر ومن ورائه الدول الغربية والحلفاء ومحور الشر بكافة مكوناته ، وإنّه يلبي المطالب الآنية للدول الست بتجميد البرنامج النووي الإيراني في المستقبل المنظور والذي قد يمتد لعشر أو خمسة عشرة سنة ، كما يلبي المطلب الآني لأيران وهو إعفاؤها من العقوبات وتسلمها عائداتها المالية تدريجياً والتي تصل إلى حدود 150 مليار دولار ، وبالتالي يشكل إعتراف دولي لدور إيران في مستقبل المنطقة وإشراكها  في إيجاد تسويات وحلول للأزمات والمشاكل المتراكمة.

ففضلاً عن الجانب التقني في الإتفاق ، فيمكن إعتباره بداية لتراجع إيران عن منطق الثورة الذي حكمها منذ العام 1979 والعودة إلى منطق الدولة ، فإيران طيلة هذه الفترة خضعت لسياسات الحرس الثوري التي أوقعتها في شبه عزلة ، وردود فعل سلبية إقليمية ودولية على هذه السياسات القائمة أساساً على منطق تصدير الثورة ، فجاء الإتفاق  ليلجم جموح إيران وطموحها في التمدد خارج حدودها .

وفي لعبة العلاقات الدولية ومصالح الدول لم يكن هناك عداء مستحكم بين إيران وأميركا بالمعنى الدقيق للكلمة ، بل على العكس كان هناك دعم أميركي لإيران حتى ابان الحرب العراقية الإيرانية ، وكلنا يتذكر ما أطلق عليه يومها فضيحة إيران غيت .

وكل ما في الأمر أنّ النظام الإيراني أراد دائماً استخدام العداء للولايات المتحدة الأميركية بحثاً عن شرعية ما ، فقد حارب أميركا في كل مكان وكل هذه الحروب كانت على حساب الشعب الإيراني ورفاهيته وعلى حساب أهل المنطقه العربية .

وطوال ما يزيد على خمسة وثلاثين عاماً استثمرت إيران في كل ما من شأنه إثارة الغرائز المذهبية والطائفية .

وهذه السياسة لم تنتج سوى الخراب والدمار في العديد من الدول منها لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين وحتى في السودان والمزيد من العزلة الدولية حول إيران .

واليوم وبعد كل هذا الخراب والدمار والحصار الإقتصادي عادت إيران إلى الحضن الأميركي من خلال اتفاقها النووي ، وكان بإستطاعتها أن تفعل ذلك منذ إنتصار ثورتها.

والعالم كله يعرف بما في ذلك العرب أن المشروع النووي الإيراني كان حجة إستخدمها المجتمع الدولي وبمشاركة إسرائيلية لتطويع إيران وإعطائها دوراً يهدف إلى تفتيت المنطقة ، إذ انه لا مشكلة أميركية ولا إسرائيلية بتقسيم سوريا والعراق واليمن وضرب المؤسسات الشرعية في لبنان وإثارة الفتن في البحرين.

والسؤال المطروح ، هل تتغير إيران بعد الإتفاق النووي؟

من المبكر الإجابة على هذا السؤال ، لكن تجارب الماضي لا تشجع على التفاؤل ، خصوصا أنه ليس في طهران من على إستعداد للقيام بعملية نقد ذاتي ، وهذه العملية تشمل على سياسة عمرها 36 سنة لم تجلب لإيران ولمنطقة  الشرق الأوسط  سوى الخراب والتفتيت والأزمات .

وصحيح أنّ الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني الذي يقود الجناح الإصلاحي نجح في إنقاذ الإقتصاد الإيراني من خلال التوقيع على الإتفاق النووي، إلا أن أوراق القوة لا زالت بيد المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي الذي يقود الحرس الثوري والجناح المحافظ المتشدد الذي لم يقدم لإيران ولشعبها سوى الويلات والمتاعب ..