حيّت الدول الخليجية الاتفاق حول النووي الايراني حتى ان بعضها كالكويت والإمارات العربية المتحدة وجّهت رسائل تهنئة الى ايران على اثر توقيع "الاتفاق التاريخي" والآمال الموضوعة لقلب صفحة الماضي نحو مزيد من الاستقرار والامن في منطقة الخليج.

ودعت الرياض طهران الى تحسين العلاقات بينهما على أساس حسن الجوار وعدم التدخل في القضايا الداخلية لدول الخليج.

غير ان هذه الرسائل والتهاني تُخفي حقيقة "مخاوف القوى العربية والسنّية من تزايد الشهية الايرانية بعد عودتها الى الحظيرة الدولية كقوى على عتبة النووي فيما الصراع السنّي - الشيعي يتصاعد في الشرق الاوسط.

منذ إعادة انتخابه انصبت جهود الرئيس الاميركي باراك اوباما على تحقيق هذا الاتفاق، لأنه يعتبر انه سيرسم توازنًا جديدًا للقوى بين السعودية وايران، بين السنّة والشيعة. وكان يعول من خلال هذا التوجّه على تحييد القوتين لكي تتحول ايران الى لاعب مسؤول في المنطقة.

غير ان هذا الرهان المبني على القضاء على المنظمات السلفية والجهادية السنّية التي لم تتمكن الولايات المتحدة من القضاء عليها منذ اكثر من ٣٠ عاما محفوف بالمخاطر لان التصعيد يزيد التطرف.

وتنظر مراكز القرار في واشنطن الى ايران كلاعب دولي كبير لديه تأثيره في الشرق الاوسط، وإلىالرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف اللذين يتميزان بالواقعية والمسؤولية حسب الادارة الاميركية، وهما يمثلان الاعتدال مقابل المتشددين الذين يطمحون الى مزيد من التوسّع الفارسي وينادون بالكراهية لأميركا. ويعود في السياق على واشنطن دعمهم خاصة وان صحة المرشد الأعلى علي خامئني الذي يبلغ ٧٥ عاما تتهاوى.

وهذه السياسة الاميركية تنطبق مع عقيدة الرئيس اوباما الذي يريد الخروج من منطقة الشرق الاوسط ويرفض نشر قوات عسكرية جديدة بعد فشل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق خلال العقود الماضية. ويعول اوباما على لاعبين يطمحون إلى المزيد لشعوبهم،ويعترف ضمنا لكلٍّ من اللاعبين بدائرة نفوذه، ومن هذا المنطلق يدعم الجميع ضد الجميع.

وهذا الموقف الاميركي يدعم بالطبع الموقف الإقليمي الايراني ويعزز مواقعه الاستراتجية في دائرة نفوذه الشيعية التي تمتد من لبنان حتى الخليج العربي في العراق واليمن مرورًا بسوريا.

والسؤال المطروح اليوم بعد توقيع هذا الاتفاق التاريخي مع ايران: هل ستخفّف واشنطن من ضغوطاتها على ايران التي كانت تمنعها من تقديم المزيد من المساعدات اللوجستية والمالية والعسكرية لنظام الميليشيات الشيعية التي تقاتل داعش في العراق. وهل ستخفّف واشنطن انتقاداتها لإيران لدعمها نظام الرئيس بشار الاسد في سوريا خاصة وان بقاءه في الحكم استراتيجي للمصالح الايرانية ولـ "حزب الله" في لبنان؟

لا يمكن اليوم تصور واشنطن تهجر حلفاءها العرب في الخليج وهي ما زالت تسلّحهم وتدعمهم عسكريا، خاصة في اليمن ضد الميليشيات التي تدعمها ايران.

وقد أكد الرئيس روحاني الثلاثاء الماضي انه يدعو الى تخفيف الاحتقان في الشرق الاوسط وان مصلحة بلاده استقرار الشرق الاوسط. غير ان هذه العناوين غير كافية لإقناع الدول العربية بأن طهران لن تستخدم قوّتها الاقتصادية بعد رفع الحظر عن موجوداتها لمزيد من التدخل في المنطقة. فرفع الحظر عن مبلغ يقدر بـ ١٥٠ مليار دولار سيساعد على دعم "حزب الله والنظام السوري والحوثيين والمعارضة البحرانية والميليشيات الشيعية العراقية... ولم تنتظر دول الخليج التوقيع على الاتفاق لتتأقلم مع هذا التطور الإقليمي الجديد.

فتحالفت السعودية مع تركيا وقطر منذ اشهر لدعم المعارضة السورية. وحصلت الدول الخليجية خلال لقائها الرئيس اوباما في كامب ديفيد في ١٣ و ١٤ آذار الماضي على تعهّد منه لتسليح وتدريب المعارضة السورية. وتمكن العاهل السعودي الملك سلمان من جمع تحالف عربي واسلامي اطلق عملية عسكرية ضد الميليشيات الحوثية في اليمن،والتي تعتبر حصان طروادة لايران في الخليج دون العودة الى واشنطن.

والصراع القائم اليوم بين السعودية وحلفائها من جهة، وايران وميليشياتها في لبنان واليمن مرورا بالعراق من جهة أخرى، لا يبعث بالتفاؤل بنجاح رهان الرئيس الاميركي لان كلا القوتين الإقليميتين عليهما تقديم تنازلات للطرف الاخر. وهذا يؤدي بالطبع الى مزيد من التصعيد لتثبيت المواقع. فالسعودية قررت صرف مبلغ ٥٠ مليار دولار من احتياطها النقدي لدعم قواتها العسكرية، وقررت طهران زيادة موازنتها العسكرية بنسبة ٥ بالمئة.

وتتفق المصادر ان هذا الواقع سيؤدي الى نشوب المزيد من الحروب، وتصعيد اشتعال القائمة منها عسكريا او بشكل بارد، فإيران غير جاهزة لمزيد من الاشتعال وهي تحتاج الى مزيد من الوقت للتوصل الى اتفاقات لا تبدو قريبة ، فالمنطقة مجزأة وكل لاعب يعالج واقعه وفقا لمصالحه ولا يمكن لأي فريق من الفريقين قيادة المنطقة بمعزل عن الآخر.