من المفارقات الحزينة أنّ العرب خاصة والعالم الإسلامي على وجه أعم لم يهتدوا حتى اللحظة إلى طريق القدس ، فمنذ إغتصاب الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإنشاء دولة إسرائيل وحتى اليوم فإن الجهود الجبارة تبذل على قدم وساق في العالمين العربي والإسلامي بحثاً وتفتيشاً وتنقيباً عن الطريق الذي يؤدي إلى فلسطين وإلى عاصمتها القدس لتحريرهما من أيدي العصابات الصهيونية ، ولكن دون جدوى ، وكل الجهود كانت تذهب سدى وأدراج الرياح إلى أن أطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأسبوع الماضي خلال الإحتفال بيوم القدس العالمي ليزف البشرى إلى العرب والمسلمين المنتشرين في كافة أصقاع العالم بإكتشافه للطريق الذي يؤدي إلى القدس مؤكداً وبكل ثقة أنّ هذا الطريق يمر في الزبداني وفي سوريا .
وكان سبقه إلى هذا الإكتشاف العظيم ولكن على مسلك آخر أحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية عندما كان يسرح ويمرح هو ورفاقه في العاصمة اللبنانية بيروت في سبعينيات القرن الماضي حيث استنبط بخبرته الإستعدائية أن الطريق إلى فلسطين يمر في جونية عاصمة المسيحيين اللبنانيين ، إذ أنّ أبو إياد صلاح خلف قال لهم عبارته المشهورة أو المأثورة أنه سيعبر فوق مدينتهم وجثثهم إلى القدس ، فهالهم الأمر فهبوا إلى دمشق مرعوبين يستجدونها التدخل للحؤول دون ذلك ، وهو ما رأى فيه النظام السوري فرصته الذهبية التي يتحينها ، و هو الغير عابئ أصلاً لا بالقدس ولا حتى بالقضية الفلسطينية .
فبادر إلى إحكام قبضته على لبنان وعلى الفلسطينيين المتواجدين على أراضيه لثلاثة عقود من الهيمنة والتسلط .
وفي مرحلةٍ لاحقة تعود بنا الذاكرة إلى الثمانينيات من القرن الماضي وفي خضم الحرب الإيرانية العراقية فإنّ بعض القادة الإيرانيين رأوا أنّ الطريق إلى القدس تمر في بغداد.
لا شكّ أنّ السيد حسن نصرالله يدرك جيداً أنّ تحرير القدس لم يدخل في حسابات الدول العربية والإسلامية ، وهي ليست بنداً مدرجاً في استراتيجيات النظامين السوري والإيراني .
وإذا كان جمهور حزب الله قد خاض حروباً ضد إسرائيل بسبب احتلالها للجنوب اللبناني الذي يقطنه أغلبية شيعية فقد سبق أن تصادم مع المنظمات الفلسطينية المسلحة التي قالت يومها أنّ الطريق إلى القدس يمر من جنوب لبنان .
وهذا الجمهور نفسه معني أولاً وأخيراً مثله مثل جماهير سائر الطوائف في لبنان بحسابات موقعه في التركيبة اللبنانية .
فشعارات تحرير فلسطين والزحف نحو القدس لم تكن أكثر من خدعه كبيرة ان لم نقل كذبة كبيرة استطاع أصحابها الذين رفعوها أن يخدعوا الشعوب العربية والإسلامية عقوداً من الزمن إلى أن ضاعت هذه الشعارات في بيداء النزاعات والخلافات العربية واندثرت في صحراء الفتن والصراعات المذهبية والطائفية .
فالقضية الفلسطينية وهي قضية العرب المركزية تمخضت فأولدت زاروباً في الضفة الغربية وتم تعيين مختاراً له إسمه محمود عباس ، والقدس لم يبقَ منها غير الذكرى التي يحتفل بها سنويا حزب الله في آخر يوم جمعة من شهر رمضان .
وعلى السيد حسن نصرالله أن يحترم عقول الناس ، فيكفي استخفافاً بها وإهانة للشعب الفلسطيني .
فالقول أنّ طريق القدس يمر في سوريا ليس أكثر من تبرير آخر لإشتراكه في جريمة ذبح الشعب السوري يضيفه إلى تبريراته السابقة والواهية والتي لم تقنع ذا عقل سليم .