ليس جديداً أو استثنائياً حديثُ أمين عام حزب الله حسن نصر الله عن "الطريق الى القدس" ومروره في مدينة الزبداني أو في جبال القلمون وبلداته السورية.
فقد درجت العادة منذ بدء مسلسل الانقلابات العسكرية ونشوء أنظمة الطوارئ وحكم المخابرات في العالم العربي ابتداءً من العام 1952 أن تعمد معظمُ الأنظمة وكثرةٌ من القوى السياسية العربية الى الاستدارة نحو القدس كلّ ما أرادت تبرير قرارٍ أو إجراءٍ أو جريمة، أو كلّ ما سعت الى تأجيل قضية أو تغييبها، أو تخوين معارضٍ أو قمعه.
وقد تخطّى الأمر بعد العام 1979 الخريطة العربية لِيصل الى إيران حيث استعارت السلطات الجديدة بدورها الطريق المقدسية للاستقواء بها على معارضيها، ثم لبناء تحالفات في المنطقة الشرق أوسطية، وأخيراً للتهديد بالزحف عليها حمايةً لبرنامجها النووي.
هكذا، تحوّلت القدس على مدى ستّة عقود الى محجّةً رمزية يُهدِّد بالسير نحوها كلّ نظام أو حزب يريد سطواً على قضيةٍ أو إزاحةً لخصوم. وهكذا أيضاً تحوّلت "القدس" ومعها "فلسطين" الى سجن رمزي يُراد إخضاعُ الناسِ عبر التلويح بإقفال أبوابه عليهم إن عصوا حاكماً أو حاولوا كسر محظورٍ أو مواجهة محرّمٍ أو مجرّد العيش بكرامة.
والسيد نصر الله يستكمل بهذا المعنى سيرةً مملّة وتقليداً قديماً تُستدعى فيهما فلسطين وعاصمتها لتغطية الموبقات. وهو يعود اليوم الى استذكار طريق بيت المقدس بعد أن ازدحمت طرقاتٌ أخرى بمبرّراته. فحماية المقامات الشيعية، وحماية اللبنانيين، ومناطحة المؤامرات، والتصدّي للتكفيريّين، وغيرها من المقولات التي استُخدمت خلال السنوات الماضية لم تعد كافية على ما يبدو لدعاية الحزب الإلهي السورية. ولا بدّ بالتالي من "قدسٍ" للاستمرار في إرسال المقاتلين ليدافعوا بإشراف "فيلق القدس" عن نظام "فرع فلسطين".
ولا يغيّر في الأمر أن الحزب قاتل إسرائيل لغاية العام 2006 أو أن جزءاً من ترسانته العسكرية كان موجّهاً بالفعل إليها. فذاك القتال لا يُجيز جريمةً واحدة تُرتكب باسمه، فكيف وأنه صار إجازةً لجرائم لا تُحصى على مدى سنوات؟
في أي حال، لا يخلو من دلالاتٍ أن خطاب السيد نصر الله عن "طريق القدس" جاء في "يوم القدس" الذي أطلقته إيران قبل عقود والذي لا يحتفل أهل القدس به. أما القدسُ نفسها فلا حاجة لها الى طرقٍ، تماماً كما لا حاجة لأيّامها وفيالقها، لا في بيروت ولا في طهران ولا في الزبداني أو يبرود والقصير.