وسط تزاحم الأحداث على الساحة الإقليمية، من الملف النووي المتعثر ببعض التفاصيل السياسية والتقنية مروراً بالحروب السورية التي تلتهم الأخضر واليابس إلى الملف اليمني الذي يزداد تعقيداً ويتحول تدريجياً إلى ساحة استنزاف للقوى المشاركة في الحروب على أراضيه ، إلى الوضع العراقي الذي يفتقد إلى الحد الأدنى من مقومات التنسيق بين المكونات العراقية للحد من جموح داعش وصولاً إلى الساحة اللبنانية التي حاول المرشح الدائم لرئاسة البلاد السوبر زعيم ميشال عون العودة بالبلد إلى زمن حرب الشوارع والشوارع المضادة.
وسط هذا المشهد الإقليمي والداخلي يطل رئيس التيار الأزرق سعد الحريري من مدينة جدة السعودية ليخاطب جمهوره عبر شاشات كبيرة منتشرة في عدة مناطق لبنانية من شتورا في البقاع إلى طرابلس في الشمال إلى صيدا في الجنوب مروراً بالبيال على واجهة بيروت البحرية وخلال حفل إفطار ليعيد تصويب البوصلة في التوجهات السياسية الداخلية عبر التركيز على التمسك بخيار واحد لا ثاني له ، وهو التأكيد على التضامن لإعادة الإعتبار للمؤسسات الدستورية وحماية الفكرة التي قامت عليها دولة لبنان وتكرست من خلال الميثاق الوطني في الأربعينات ، وتجددت من خلال وثيقة الوفاق الوطني في الطائف .
وأثنى الرئيس الحريري على موقف رئيس الحكومة عندما قال حسنا فعل الرئيس تمام سلام بحماية الركن الأخير في السلطة التنفيذية من الوقوع في الفراغ والشلل ، وهو ما نتطلع إلى أن يتكامل مع جهود الرئيس نبيه بري لتفعيل العمل التشريعي في نطاق التفاهم السياسي على الأولويات ، وعلى رأسها إنتخاب رئيس للجمهورية يمسك زمام القيادة ويجدد الأمل الضائع بمفهوم الدولة .
وتابع الرئيس الحريري قائلاً : "وهذه مناسبة لنعلن من جديد أن الأبواب ليست مغلقة في وجه أي مخرج واقعي وأن لا فيتو على أي إسم ودائماً تحت سقف التوافق الوطني " .
وإطلالة الرئيس الحريري إستعادت مواقف سابقة له من سياسات حزب الله في لبنان وسوريا ، ولم تتسم بأي ليونة رغم الحوار الثنائي بين الطرفين حيث هاجم حزب الله لإنخراطه في الحرب السورية إلى جانب النظام المجرم الذي يقتل شعبه ويدمر بلده .
وتوجه للسيد حسن نصرالله بالقول إنّ طريق القدس لا يمر في سوريا بل إنّ الطريق إلى إيران يمر في سوريا ، وخاطب نصرالله تعليقاً على الوضع اليمني قائلاً إنّ عاصفة الحزم ياعزيزي لا تزال شوكة في حلق المشروع الإيراني في المنطقة وتابع (من يتهمنا بإعتماد سياسة التفرد والتهميش يحمل الرقم القياسي بالخروج على الإجماع الوطني ) .
ومما قاله الحريري أن لا أحد يزايد علينا لا بالدين ولا بالوطنية ولا بالإعتدال ولا بالحرص على اللبنانيين وحقوقهم ولن ننجر إلى التطرف لأنه خطوة أولى باتجاه الحرب الأهلية.
بدا واضحا أنّ رئيس تيار المستقبل خاطب خصومه في السياسة بلغة العقل وبلغة الرجل الوطني المسؤول بحيث أكد على ثوابته الوطنية وهي الإيمان بلبنان أولاً وبوحدة شعبه وعيشه معاً مسلمين ومسيحيين في ظل الدستور وإتفاق الطائف.
وشدّد على الإلتزام بتحالفاته الداخلية وعلى التشبث بنهج الإعتدال رغم الإتهامات الباطلة التي يرمي بها متجاوزاً القوقعة الطائفية والمذهبية للعبور إلى رحاب الوطن .