في ظل أزمة اليونان والتي تتصدر أخبار الصحف ، وفي ظل تخوّف اللبناني من أن يلقى مصير اليوناني من تقشف وإفلاس ، ومع ما أصدرته الحكومة مؤخراً من قرار التصدير الزراعي والجدل الذي شهدته الأقطاب السياسية حوله .
كان لموقع لبنان الجديد إتصال مع البروفيسير جاسم عجاقة ، وهو أستاذ فيزياء وأسواق مالية في الجامعة اللبنانية ،و خبير إقتصادي وإستراتيجي .
وعند سؤال البروفيسير عن السبب الأساسي لأزمة اليونان ؟ وإن كان التدخل الروسي هو السبب بتحويل الإفتصاد اليوناني من منطقة اليورو للإقتصاد الموجه ؟
أجابنا البروفيسير أن هذه الفرضية مبالغ بها ، لأن أعصابها وشرايينها الحيوية مرتبطة بأوروبا ، من شبه المستحيل تحويلها ( حتى أميركا لا تستطيع) .
والسبب الأساسي لأزمة اليونان هو السلوك السيء الذي اعتمدته الحكومات اليونانية على مثال حكوماتنا الحالية التي تصرف بدون "شي" والديون تزداد .
وتابع البروفيسير :
أثناء حكومة جورج باباندريو(رئيس الوزراء اليوناني) ، كانوا يصرحون لأوروبا بالكذب ، أنهم مصابون بعجز 50 مثلا وهو 100 ..
إضافة إلى أنّ النظام اليوناني هو نظام موجه أكثر للإجتماعيات ، هناك مساعدات كثيرة من الدولة للشعب ، والشعب هو المستفيد من الأموال التي تصل لليونان أو تنتجها .
كما أنّ الدين العام تخطى كل حدوده ولم يعد بإمكان اليونان أن تسدده ، ولو منحوها الأموال لإرجاع الديون فاليونان اليوم إن لم ترجع لنمو 10 و12 % لن تستطيع تسكير الدين وستظل بلد فقير داخل أوروبا .
وعند سؤاله عن مدى جدية المجتمع الدولي في التعامل مع هذه الأزمة ؟ وإن كان هناك توجه لإخراج اليونان من منطقةا ليورو ؟
قال البروفيسير جاسم عجاقة ، المجتمع الدولي كبير وعلينا تقسيمه ، دول منطقة اليورو وهم المعنيون الأساسيون .
وصحيح أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والإتحاد الأروبي هم بنفس الخط ، غير أننا شهدنا اليوم نوعاً من تراجع بموقف صندوق البنك الدولي حيث أن رئيسته كريستين لاغارد قالت : " لقد قسونا على اليونان ونحن مستعدين للنقاش معهم "
أما من ناحية أوروبا ، فأوروبا لا خيار لها غير مساعدة اليونان ، لأنه إذا تخلت عنها ستخرج من منطقة اليورو ، وفي حينها مصداقية اليورو سوف تتضرر .
وتساءل : لماذا اقتصاد ضخم كالصين يستخدم الدولار في التجارة العالمية ؟ لأنه يثق بالدولار .
مضيفاً :
اليورو اليوم كان مرشح لخلافة الدولار في المعاملات التجارية الدولية لأنه بوقت من الأوقات كان هناك من مصداقية لمنطقة اليورو .
إذا خرجت اليونان من منطقة اليورو ، اليورو "بيفرط" .
عندما صدر اليورو قسم كبير من المصارف المركزية في آسيا بدلوا الإحتياط من الدولار لليورو وهذا التبديل رفع من اليورو .
وأكد البروفيسير أنّ على العالم جميعه أن يساعد اليونان حيث أن هناك تشابك إقتصادي ، وهناك إنفتاح إقتصادي بين اليونان ودول منطقة اليورو وهذا الترابط العضوي هو بواسطة عملة اليورو وبواسطة الديون .
وأضاف أنّه حسب حساباته بخروج اليونان من منطقة اليورو ، تخسر عملة اليورو 30% (لن تخسرها مباشرة ) ولكن على فترة زمنية ممتدة .
موضحاً لنا :
30% من العملة النقدية (المتواجدة بين أيدي الشعب ) التي تبلغ ألف مليار يورو ، أي 300 مليار يورو ، ديون اليونان 350 مليار يورو ، أي موازي له .
بينما إذا لم تخرج اليونان وإذا قبل الأوروبيين تخفيض الدين "محو لجزء من الدين " أي النصف مثلاً ، يبقى اليورو أكثر ربحاً .
وشدد البروفيسير جاسم قائلاً :
لا يمكن لهم التخلي عن اليونان ولا يمكن لليونان التخلي عنهم لأنه بالنسبة لها كارثة .
هم يضغطوا على اليونان (الحكومة اليونانية ) لإحترام قواعد اللعبة، فالأحزاب في اليونان مثلاً يتلقى أفرادها نوع من المعاشات من الدولة "هذه غير موجودة في كل اوروبا" ، كما أنّ لديهم تقديمات اجتماعية هائلة ، (بإمكانك أن لا تعمل وأن تمنحك الدولة معاش) .
وإجتماعياً أوروبا لا تستطيع أن تستوعب اليونان لأن أوروبا فكرها موجه نحو خلق فرص العمل ، من يعمل له حقوق ومن لا يعمل "يتلقى نوع من المساعدات"
وأضاف البروفيسير أنّ الشعب اليوناني خسر الكثير من المساعدات التي كان يتلقاها من الدولة في خمس سنين "التقشف" التي مرت .
وعن ما مدى التقارب بين هوية الدين اليوناني والدين اللبناني ، وإن كان لبنان أمام أزمة مشابهة؟
قال ، طبعاً لا ، المشترك الوحيد هو الإفراط في الصرف ، نحن بمشروع الموازنة الذي قدمه معالي وزير المالية 92 بالمئة من إنفاق الدولة هو من الإنفاق الجاري (المعاشات ، الأجور ، الخدمات الإجتماعية ، سفرات الوزرات ، سفرات المؤسسات العامة ، مشتريات المكاتب ... ) ، وكل إنفاق عام هو إنفاق جاري .
وهذا خطأ كبير ، لأن الإنفاق الجاري هو هدر وهنا يوجد تشابهنا الكبير مع الحكومة اليونانية .
ولكن لا نستطيع أن نشابه أنفسنا باليونان لسبب بسيط أننا نملك قطاع مصرفي يساوي أربع مرات حجم الإقتصاد اللبناني لذلك ما زال قادر على استيعابه ،و الذي يحيي الدولة اليوم هو القطاع المصرفي ، حيث أنه ما زال يملك أصول بنسب كبيرة فإذا ليس هناك من تشابه بنفس السيناريو .
ولكن يمكن أن نتواجه بقصة أزمة اليونان إذا طال وضعنا الحالي ، حيث أنّه إذا طال لفترة طويلة هذه علامة سيئة ، ولكن حالياً لا خوف .
غير أنّ هذا لا يعني أن الوضع الإقتصاد جيد ، ولكن لا تخوف أن نحيا أزمة اليونان .
وإن كان القطاع المصرفي يتدخل مباشرة بالإقتصاد لحمايته ؟
قال البروفيسير جاسم : القطاع المصرفي لا يتدخل بالإقتصاد ، وهذا نقدي ، لأنه لا يقوم بدوره ، دوره أن يمول الإقتصاد ، وهو لا يقوم بهذا الدور وخاصة بالإستثمارات .
ونستطيع أن نقول وبالخط العريض : "القطاع المصرفي لا يقوم بدوره " .
دوره تمويل الإستثمارات بالدائرة الإقتصادية وهذا ما لا يقوم به ، إذا اردت أن تأخذ قرضاً "برهنوك كل شي بيدفعوك فوايد ... " وتساءل : هل هكذا ندعم الإستثمار ؟
وعن دور الغطاء الدولي في حمايته ؟
قال ، لا أعتقد ذلك ، هناك أمرين في الماكينة الإقتصادية يساعدوها على الحفاظ على مستواها فنمو 1 أو 1.5 أو 2 بالمئة غير كافٍ ، لأن إقتصادنا صغير (خمسين مليار) .
وهذا النمو يأتي بسببين :
السبب الأول : القطاع المصرفي بحد ذاته الذي يقوم ب ACCUMULATION"يعبي الودائع" ، وكذلك عن طريق حساب أرباح هذه المصارف نجد لهم أرباح كبيرة .
السبب الثاني : الإستهلاك اللبناني الجيد جداً المدعوم بأموال المغتربين ، وحسب دراسة قامت بها اليسوعية ، وتقول أن نسبة كبيرة مما يتلقاه اللبناني يصرفه على " بالدرجة الأولة : أكله ، بالدرجة الثانية : راحته ، بالدرجة الثالثة : يشتري العقارات ... "
إذا القطاع المصرفي والإستهلاك هم الذين يؤمنون هذا النمو بين (1.5 و 2 %)
وأضاف البروفيسير جاسم أنه حسب دراسة قام بها هو منذ سنة ، فالقطاع السياحي وبالرغم من كل الظروف التي قد يمر بها لبنان، يحقق أقله 0.5 بالمئة نمو في فترة الصيف تأتي من المغتربين اللبنانيين الذي يريدون زيارة أهلهم ..
إذا هذه النسبة من النمو مؤمنة .
وعن قرار التصدير الزراعي والإختلاف الحكومي حوله ، قال البروفيسير جاسم ، الخلاف الحكومي حوله هو سياسي بحت ، كل الأقطاب السياسيين دون إستثناء وافقوا على الخطة الزراعية ، حتى المعترضين إعترضوا سياسياً .
فوزير الصناعة هو أحد مهندسي هذه الخطة وفي مجلس الوزراء إعترض وقال إعتراضي عليها سياسي ...
وأكد أن هذه الخطة عمل مشترك بين عدة وزارات (الصناعة ، الزراعة ، الاقتصاد و التجارة ... )
وعن أهمية هذه الخطة قال البروفيسير ، هناك بضاعة تتكدس تحتاج لتصريف ، ومهما نزل المزارع من أسعارها لا تستطيع أن تؤمن له الكفاية ...
لذلك يفترض علينا مساعدة المزارع ، وليس هناك من أي طريقة "وأنا قد قدمت أفكار وشاركت بعدة إجتماعات " ، ولكن لا يوجد مجال غير هذه الطريقة أي دفع الاموال من قبل الدولة .
وبهذا الموضوع كان هناك عدة إقتراحات ، من يدفع ؟ المال العام (الحكومة بإعتماد) ؟ أم بصندوق الإغاثة ؟
غير أن القرار الذي صدر ، تمحور حول تخصيص إعتماد له وأصبح الموازنة ، وأنا مع هذا القرار ويجب أن نقوم به وأن يتكرر .