ليس مستغرباً أن يعلن الأمين العام لحزب الله بأنّ الطريق إلى القدس يمر عبر الزبداني والقلمون وحلب ، فالقدس الذي يقصده السيد ليس هو قدس فلسطين ولا هو بيت المقدس ولا هو مكان معراج نبينا أو كنيسة القيامة .
فقدس الأقداس عند حزب الله إنّما هو مصلحة نظام الولي الفقيه فقط لا غير، ولهذا القدس الجديد ألف ألف طريق ، واحدة منها هي الدفاع المستميت عن نظام بشار الأسد ، وأخرى هي العداء المذهبي بين المسلمين وثالثة هي تمزيق وإضعاف الدول العربية ورابعة هي السيطرة على أربع عواصم عربية، ومن غير المستبعد أيضاً أن تكون المفاوضات النووية والإتفاق المزمع عقده مع الأميركي هي إحدى هذه الطرق أيضاً .
فالجمهورية الإيرانية ومصالحها تأتي في أعلى سلم أوليات وإهتمامات الحزب، والحديث هنا لا ينطلق فقط من معايير سياسية وإنّما ينبع من مفاهيم عقائدية أولاً وأخيراً ، وفتوى الإمام الخميني بهذا المضمار لا يشوبها أيّ إشكال عندما أفتى بأنّ الحفاظ على مصالح الجمهورية الإيرانية أَوْلًى حتى من الصلاة والصوم وباقي العبادات .
هذا فضلاً عن مراجعة بسيطة للتراث الشيعي والأماكن المقدسة المذكورة بهذا التراث وما يتضمن ذلك من إستحباب للزيارة والأماكن المقدسة ، وكتب الأدعية والصلوات المخصصة لكل مكان مذكور فيها وما خصّ من أذكار لنكتشف سريعاً وبدون كثير جُهدٍ أنّ لا وجود البتة للقدس بكل هذا التراث ، ونكتشف غياب صارخ لأي رواية شيعية تشير إلى زيارة من أحد أئمة الشيعة لهذا المكان .
كل هذا يعني بأنّ قدس فلسطين وبيت المقدس ليس له أثر في الوجدان الشيعي التراثي ، هذا من الناحية العقائدية أما من الناحية السياسية البحتة، فلا وجود لأيّ صراع ومواجهة مباشرة بين الإيرانيين والإسرائيليين، وإنّ البعد الجغرافي بينهما ينفي أيّ تضارب للمصالح بينهما ، هذا إن لم نقل بوجود شراكة حقيقية بينهما وإن كانت غير مباشرة على عكس تماماً التجاور مع دول الخليج وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، وما يخلق هذا التقارب من تنافس حقيقي وموضوعي تفرضه الحالة الجيوسياسية الطبيعية، مما قد يفسر حجم العداء القديم والمستجد دوماً بينهما والذي فاق بدرجات على حجم العداء مع إسرائيل بمراتب عند أول تصادم للمصالح فإستنبش من أجله التاريخ بكل أحقاده السوداء .
وبناءً على كل ما تقدم فلم يعد شعار القدس ولا إحياء يوم القدس ينطلي على أحد في العالم الإسلامي والعربي ، وصار واضحاً تماماً أنّ السياسة الإيرانية التي رفعت شعار فلسطين إنّما أرادت بذلك اللعب على مشاعر العرب من أجل تحقيق مآرب أخرى .
ولعلّ واحدة من أضرار دخول حزب الله للقتال إلى جانب نظام الأسد على السياسة الإيرانية في المنطقة ، أنّه فضح المخططات الإيرانية بالمنطقة ، ورفع الحجاب عن أعين كثيرين من العرب ليكتشفوا بعد طول مدة بأنّ القدس الإيرانية هي غير قدس فلسطين والعرب .