أفرد القرآن الكريم أطول سورة وسمِّيت "البقرة" لأنها تحتوي على قصة البقرة وبني إسرائيل في عهد نبيِّ الله موسى(ع)..
وبعد مضي أكثر من أربعة عشر قرن على هذه الواقعة وأردنا الترحال في بلاد الله الواسعة لوجدنا في بلاد الهند وتحديداً مدينة "بنارس" التي تعرف بمدينة السِّلم والسلام والتعايش لأكثر من ألف عقيدة دينية من مختلف الألوان والملل والنِحل، التي تتضمن كل معاني التسامح التي دعت إليه كل الديانات بما فيها الأديان الثلاثة ، ومن هذه الديانات هي ديانة الهندوس التي تعبد البقرة ويعتبرونها آلهة الخير،ولا يجوز مساسها بسوء وأذية ، بل يجب التقديس والإحترام والتعظيم لهذا المعبود..
أردنا ذكر هذه الديانة بالتحديد مع الإحترام لها ولكل الديانات لأنها آلهة معبودة عندهم ،وهي بنظرهم ومعتقدهم مصدراً لكل خيرٍ ورزقٍ وحياةٍ ، ومن الملفت أيضاً أنَّ عبادة البقرة ليست مختصة في دور العبادة وأماكن الصلاة بل في حياتهم اليومية .
فعندما تُذكر البقرة يجب ذكرها بكل تقديس وإحترام ، وإذا عبرت الطرقات والشوارع والأزقة والميادين والساحات فيجب الوقوف جميعاً ، وتجب أداء التحية والسلام بكل خضوعٍ وخشوعٍ ،وربما يصل الأمر إلى السجود ...
هنا نريد تسليط الضوء إلى نقطتين أساسيتين ، الأولى : وجود أكثر من ألف ديانة ومعتقد عندهم ، ويحكمهم قانون واحد ، ولا تجد خلافاً وحروباً ودماراً بفضل التسامح والقدرة على الحكم وإدارة العباد والبلاد، وبفضل السلوك الخُلُقي والتعايش السلمي ، وليس بفضل الدين والقوة العسكرية الغاشمة أو التعصب الطائفي والمذهبي والديني، كما نعيش اليوم في بلادنا العربية والإسلامية التي تعجُّ بالحروب والقتل والدمار والتعصب الديني والمذهبي من كل حدبٍ وصوبٍ مع العلم بأنَّ ربنا واحد وقرآننا واحد ونبينا واحد، لم نرَ مبدأ التسامح والتعايش بل نرى التكفير والقتل ...
فمبدأ التسامح هو ثمرة تراث هندي قديم ما قبل الإسلام الذي ينطوي على التقدير المتبادل للمقدَّس ، وهو موقفٌ إنسانيٌّ ووجدانيٌّ ربما لم نشاهده إلاَّ قليلاً في المجتمعات المتقدمة فضلاً عن البلاد العربية والإسلامية بشكلٍ مطلقٍ ....
النقطة الثانية: آلهة البقرة التي هي بنظرهم المعتقد المقدَّس ولهم الإحترام لأنه مصدر الخير عندهم ، في بلادنا العربية والإسلامية نرى أننا نفعل هذا الشيء عندما تمرُّ القادة والقيادة من الدينيين والسياسيين والمسؤولين في الشوارع والطرقات والساحات والميادين ، بل وفي دور العبادة وأماكن الصلاة نقف تقديساً وخشوعاً وخضوعاً، وتتعطَّل الحياة والمؤسسات وتقف السيارات في الشوارع وتعمُّ الضوضاء، لأنها آلهة بيدها القانون والدستور وإن أدت إلى تعطيل البلاد والعباد، وبيدها الوضع والرفع والعزل والطرد، وهي التي تمنح من تشاء، وتمنع عمَّن تشاء، وتوظِّف من تشاء، وتحرم عمَّن تشاء..
فالفارق بين آلهة الهندوس المحترمة أنهم يرونها متى شاؤوا وتطعمهم عند الحاجة وعند الجوع ولا تأكل من خيراتهم، وبين آلهتنا التي لا يمكن رؤيتها لا من تشاء ولا عمَّن تشاء، وهي تأكل من خيراتنا، ولا تطعمنا عند الجوع ، بل تأكلنا وهي متخمة ونحن نؤدِّي لها الطاعة والإنحناء وعبادة الصلاة والخضوع والخشوع، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، صدق الله العظيم