عندما تقتضي «المعركة العائلية» التي يخوضها رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون تخطّي المنطق وتستلزم التلاعب بالمشاعر الطائفية وتجييش الخوف لدى المسيحيين، يكون عون دائماً في الميدان.
أن يوصف الرئيس تمام سلام بـ«الداعشية» في الأدبيّات العونية فهذا يمثل قمة الاستخفاف بالعقول، فأبو بكر البغدادي الذي يترأس حكومة لبنان، «تنطبق» عليه المواصفات الداعشية الى درجة أنه حافظ منذ تسلّمه كرة الفراغ الرئاسي، على صلاحيات رئيس الجمهورية، وكان في المحافل الدولية وفي مجلس الوزراء أكثرَ حرصاً من عون على التذكير بضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولم يطرح نفسه يوماً رئيساً بديلاً، هذا كلّه فيما استمرّ مَن يتهمونه بالداعشية، في انتهاج «داعشية عائلية فجّة»، تكاد تعطّل الحكومة التي تمثل آخر ما تبقى من انتظام في عمل المؤسسات.من آخر إنجازات «أبو بكر البغدادي اللبناني» أنه خاض في الأمس مواجهة في مكانها، كشفت زيف معركة «حقوق المسيحيين» على حقيقتها.
كان سلام في مجلس الوزراء ممثلاً لكلِّ لبنانيّ رأى وشاهد وعاين عن كثب حقيقة المعركة العائلية، وارتداداتها السلبية، التي دفعت بسلام المعروف بصفة رجل الدولة، الى الخروج عن صفة المسالم والديبلوماسي، والاضطرار الى وضع الامور في نصابها، على وقع صمت حلفاء عون، وحَرَجهم من سلوكه، لا بل على وقع تأييدهم الضمني لسلام بما قام به، وأوّل هؤلاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
أن يوصف سلام بالداعشية، فهذا يعني أنّ عون يروِّج لمقولة أنّ كلَّ مسلم لبناني هو داعشي، وهذا يمثل في رأي مصادر متابعة، قمّة التحريض الطائفي، كذلك يعني مقامرة واضحة بمستقبل المسيحيين في علاقتهم بشركائهم، وهو بالذات ما دفع رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الى المجاهرة برفض الفيدرالية التي بدأ عون بطرحها، في عودة الى الوراء عن كلِّ ما بناه عون من شرعية لدى المسيحيين واللبنانيين في أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
لهذا ترى المصادر ضرورة إسراع القيادات المسيحية بقطع الطريق على سلوك عون، وفي هذا المجال لن تعفى الكنيسة والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي تحديداً من مسؤولية الصمت إزاء ما قام به عون، والذي يهدِّد العلاقة الإسلامية ـ المسيحية، كذلك لن تعفى من المسؤولية قوى 14 آذار المسيحية التي انكفأت في الامس عن مواجهة هذا السلوك، تاركة لتيار «المستقبل» أن يقوم بالمهمة، علماً أنّ «المستقبل» تحمَّلَ المسؤولية وضبَطَ الشارع السنّي، حيث واجه دعوات عدة للتحرك في الشارع في مواجهة عون، قاطعاً الطريق على الجنرال الذي حاول استجداءَ اشتباك إسلاميّ ـ مسيحيّ في الشارع، تماماً كما حاول استجداءَ اشتباك مع الجيش، لحَرْق قائده العماد جان قهوجي، وإدخاله في حقل ألغام، يقطع الطريق على فرَص التمديد له على رأس القيادة.
في حسابات الربح والخسارة يمكن القول إنّ سلام كان من أبرز الرابحين في هذه الجولة، فهو استطاع أن يحميَ نفسه، من خلال ممارسته كرجل دولة، فأحبط الهمروجة العونية في مجلس الوزراء، وكسب تعاطفاً إسلامياً ومسيحياً.
وفي الحسابات نفسها يمكن القول إنّ المؤسسة العسكرية وقائدها العماد قهوجي، مرَّرا فخاً عونياً كاد يؤدي لو نجح الى توريط الجيش، الذي بدا أنه ينفّذ على الارض مهمات واضحة، بأداءٍ عالي المستوى، وهذا الأداء أحبط عون الذي اضطُر الى خلع القفازات والتعرّض للجيش (الشعبة الخامسة) بحيث بدا وكأنه يتعرّض لأحد أبرز مقوّمات الشرعية التي بناها لنفسه منذ أكثر من ثلاثين عاماً وحتى الآن.
عدا ذلك من حسابات، خصوصاً بالنسبة الى القوى المسيحية، فإنه لا يتعدّى الفوزَ التكتيكي، الذي لا يحظى به إلّا مَن أراد لنفسه أن يكون على مقاعد المتفرّجين، وليس على خشبة مسرح الأحداث وصناعتها.