التخبط الذي يعيشه الجنرال ميشال عون والعبث الذي دفع تياره إليه ، سببه الأول والأخير هو يأس الجنرال وفقدانه الأمل بالوصول إلى سدّة الرئاسة ، إستخدم كل الوسائل والطرق ولم يفلح ، إنتحل شخصية المرشح التوافقي،و لم يوفق ولم تمرّ هذه الحيلة على أحد .
حاول التفاهم مع تيار المستقبل، لم يصل إلى نتيجة ، فتح حوار مع القوات وحاول إقناع الدكتور سمير جعجع بأن يُنتخب كرئيس قوي وتكريس هذه المعادلة ، على أن يأتي جعجع رئيساً من بعده وفقاً لنفس المعادلة ولم ينجح .
حاول تسويق نفسه عند الدول الإقليمية الفاعلة على الساحة اللبنانية ومع الدول الكبرى ولم يفلح، أيّد تدخل حزب الله في الحرب السورية بهدف نيل تأييده ورضاه، فكسب تأييد النظامين السوري والإيراني وخسر كل العالم ، وبعد أن أيقن بأنّ وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى أصبح مستحيلاً، عاد إلى لغة التصعيد والتهديد والوعيد ، ودخل إلى حلبة الصراع من باب التعيينات الأمنية، فأصرّ على تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش قبل أربعة أشهر من نهاية ولاية العماد جان قهوجي ، وأراد أن يشاكس بهدف تحسين ظروف معركته الرئاسية، فجاءت النتائج معاكسة لما يشتهي، فخسر معركته وخسر معركة صهره بعد أن حاول فرضه قائداً للجيش بالقوة، وهذا ما لا يحدث، لأن الأمر يتعلق بمركز قيادة الجيش ، لما للمؤسسة العسكرية من دور هام في الحفاظ على الأمن والإستقرار .
وهذه المعركة الخاسرة التي قادها الجنرال عون، دفعته للتهديد بفرط النظام اللبناني برمته، معتقداً بأنه قادر على فرط النظام وإعادة تركيبه كما يشتهي ، وسوء التقدير هذا الذي وقع فيه الجنرال عون، ينمّ عن قصر نظر ومراهقة سياسية ، فكانت النتيجة أنّ حلفاء الجنرال عون تصدوا له قبل خصومه ، وفي طليعتهم الرئيس نبيه برّي والنائب سليمان فرنجية ، وهذا ما لم يكن يتوقعه العماد عون .
حتى أنّ حزب الله الحليف الأبرز والأقوى للعماد عون ، لم يبدِ أيّ حماسة في تبني مطالب الجنرال عون إلاّ لفظياً ، وإكتفى بدعمه ببيان، ولم يسلم الجنرال عون من هجوم لاذع من قبل النائب سليمان فرنجية مهاجماً تلويح عون بالفدرالية ومتمنياً أن يكون هذا الطرح من قبل العماد عون مجرد زلّة لسان ، لكن هذا الطرح ليس زلّة لسان، لأن الجنرال كرره أكثر من مرّة وبلغة التهديد والإبتزاز التي يحترفها.
مسكين الجنرال عون إذا كان يعتقد بأنّه قادرعلى فرط النظام في هذه المرحلة، ومسكين أكثر إذا كان مقتنعاً بأنّه قادر على إعادة تركيب نظام جديد لمصلحته ولمصلحة من يدّعي تمثيلهم .
ما يبعث على الأمل ، هو أنّ طرح الجنرال عون الطائفي لا يمثل أكثرية المسيحيين ولا حتى نصفهم، وشبقه للسلطة الذي أعمى بصيرته، لن يوصل البلاد إلى حيث يشتهي ، والقلة القليلة التي لبّت نداءه ونزلت إلى الشارع لفرط النظام كما أعلن هو و وزراؤه ، تؤكد بأن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الجنرال عون، وبأن الشعب اللبناني تعلّم من تجارب الجنرال المرّة .