هم الهاربون من البراميل المتفجرة ومن الدواعش ومن النصرة وسائر الجهات المتطرفة التي دخلت سوريا ، هم النازحون الذي عانوا ظلم النظام وسطوته ولا إنسانيته ، ويوم ثاروا لم يجدوا رحمة ...
قد لا يصدق العقل ، أو المنطق ، أنّه هناك عائلات سورية تحيا على الرصيف ، بلا مأوى لها ولا ظل ، أرضها البلاط أو حصيرة بالية وسقفها السماء ، وحر الشمس ، وعيون المارة التي لا ترحم ...
هم لم يختاروا التشرد ؟
ولم يريدوا أن يناموا على الأرصفة في الخلاء ، ولم يحبذوا الثياب الممزقة أو إنتظار حسنة من كريم ... !
ففي بلادهم لم يكونوا "مشردين" ، ولا متسولين ، وإنما "خانتهم ظروف قاهرة" ليهربوا من ظلم الطاغية لظلم "دولي" لم يرحمهم ولم ينظر لحالهم ...
السوري يسكن على الرصيف ، نعم .. وفي طرابلس !
فأحد المناطق الطرابلسية التي إتخذ من أرصفتها السوري مأوى ، هي محيط الكواليتي إن ، وما إن تعبر هناك حتى تجدهم على الرصيف الملاصق للفندق ، أو على تقاطع الشجر في وسط الأوتستراد ...
حقيقة قد لا تصدق ولكنها الواقع المرئي والملموس ، ونحن كموقع لبنان الجديد أردنا ان نسلط الضوء على هذه الظاهرة التي تعصف بالإنسانية للقاع !
عند نزولي إليهم لأستطلع حالهم ، حملت هم الأسئلة وكيف سأحاورهم ، ببساطة "ماذا ستسأل الإنسان عن مصيبته و وجعه " .
لدى وصولي وجدت عدة عائلات الأولى إمرأتين وطفلتين ، بثياب رثة ، حالة "بتصعب عالكافر" ، وقد إتخذوا سكن لهم وسط الأوتستراد تحت ظل شجرة لا تؤمن لهم حماية لا من شمس ولا من "متعصبين" ...
(مراسلة لبنان الجديد مع اللاجئين السوريين )
إحدى أفراد هذه العائلة هي فاديا وهي إمراة أربعينية أما الأخرى فهي إبنتها الأرملة كما أخبرتنا وعلى الأرجع الطفلتين هما حفيدتيها .
فاديا جاءت إلى لبنان عند بدء الأزمة وهي "شامية" ، وعن الشارع الذي آلت إليه تقول بمرارة أنهم على هذه الحالة منذ سبع شهور يتنقلون من رصيف لحديقة ولا سقف يأويهم ..
تعلق فاديا على الوضع قائلة : "ما حدا بيساعدنا كنا بأنفة وكحشونا فتشردنا "
وتضيف : " لو معنا مصاري كنا برأيك منقعد هالقعدة ؟ "
وعن الإغاثة والأمم والجمعيات ، تقول لا أحد يهتم ، أما الأمم فهي لا تؤمن لهم المال وإنما فقط الأطعمة من الضروريات "وبكمية قليلة " ، حتى المنظفات "شامبو وصابون وغيرها " حرموا منها ، لم تعد ترسلها إليهم ، وكذلك الحال بالنسبة للكساء ...
وعن التعايش مع هذا الوضع المأساوي تخبرنا فاديا بحرقة : "من فترة كانت البنت مريضة وما كان معي 5000 حكمها "
فهم يرسلونهم حسب ما قالت إلى مستوصف البشائر "أبو سمرا" على أنه مجاني ، إلا أنه خلاف ذلك ، وتقول لي " روحي لعندن وقولي بدك تتحكمي وخبريهن إنك سورية وشوفي كيف بيدفعوكي " ..
وعن تعامل المواطنين معهم ، تقول فاديا ، "الناس بيطلعوا فينا انتو اللبنانية عسلامتكن "
وعند سؤالها عن كيفية التصرف بالنسبة للإستحمام والنظافة الشخصية ، وهم يسكنون الأرصفة ، أخبرتنا أن هناك إمرأة تساعدهم فيذهبون إليها للإستحمام ...
وأثناء حواري مع فاديا تدخل رجل من عائلة سورية أخرى واسمه الحج ياسر ، الحج ياسر أخبرنا أن الأمم حتى مصروف الأكل قد خفضته وتمنحهم ما لا يكفيهم لأيام حتى "مونة لشهر بقيمة 13 ألف كيف بدا تكفي؟ "
ويضيف ، نحن لم نختار أن نحيا على الأرصفة ولكن ما من أحد ينظر إلينا ...
كما ويشير لنا إلى أنه يعاني من إصابة والتي تمنعه من العمل وإعالة عائلته ، وأخبرنا أيضاً بالمضايقات التي يتعرضون لها كسوريين ، حيث أن ثلاث شبان حاولوا التعرض له بالضرب منذ فترة وعند هروبه أصابه قدمه ...
الحج ياسر وهو يحادثنا نظر بغصة لثيابه الممزقة وللحالة الرثة التي يعاني منها هو وعائلته وجيرانه على الرصيف ، وتتساءل ما ذنبهم ؟ وأين الأمم والإغاثة ...
ولماذا هذا التعامل والتعاون مع وضعهم !
ونحن بدورنا نتساءل ونتوجه للجهات المعنية ، فكل من الأمم والإغاثة والجمعيات المعنية واجبها تأمين حياة لائقة للسوري وليس تركه مرمياً على الأرصفة لأيام و شهور ...
قضية هؤلاء هي قضية إنسانية ولن نتوقف عن طرحها حتى يتحرك المعنيون لإيجاد حلول حقيقة " مش بس حكي ، شبعنا حكي "