إعتاد الرأي العام اللبناني أن يتعرّف إلى الهوية السياسية لضبّاط الجيش اللبناني وخاصةً الجنرالات منهم ، بعد إحالتهم إلى التقاعد وليس خلال خدمتهم الفعلية ، فتجد الكثير من الضبّاط يتفرغون للعمل السياسي بعد تقاعدهم مباشرةً، ويكشفون عن إنتماءاتهم الحزبية على الملأ ، فينزعون البزّة المرقطة ويرتدون بدلات ملونة حسب أهوائهم السياسية ، وهذا من حقهم كمواطنين يتمتعون بكامل حقوقهم المدنية ، لكن إنكشاف الهوية السياسية والإنتماءات الحزبية لكبار ضبّاط الجيش اللبناني وهم ما زالوا في الخدمة الفعلية وهم يتولون مناصب أمنية رفيعة أو مرشحون لتولي مناصب حسّاسة ، فيه الكثير من الخطر على المؤسسة العسكرية وعلى تماسكها وأدائها، خاصةً أنّ الجيش يعتبر المؤسسة الأمّ التي تحافظ على الحدّ الأدنى من القانون والأمن والإستقرار في دولة ضعيفة مترهلة يتآكلها الفراغ، والمؤسسة العسكرية هي مؤسسة جامعة يلتف حولها كل الشعب اللبناني إذا ما إستثنينا بعض أصوات النشاز، فكيف إذا إنكشفت الهوية السياسية والإنتماء الحزبي الضيّق وبشكل فاقع لجنرال مرشح لتولي قيادة الجيش ؟؟؟
لا يختلف إثنان في لبنان على كفاءة العميد شامل روكز وقدرته على قيادة الجيش في حال تمّ التوافق على إسمه لتولي هذا المنصب ، إلاّ أنّ هناك الكثير من العوامل التي حالت دون التوافق على إسمه ، ليس أوّلها أنه صهر الجنرال ميشال عون ، بل أولّها أنّ العماد عون تولّى شخصياً قيادة معركة تعيينه قائداً للجيش بشكل إستفزازي وحاد ، ويريد تعيينه في هذا المنصب رغماً عن أنف كل القوى السياسية تقريباً تحت شعار "حقوق المسيحيين" ، فوضعه في إطار حزبي وكشف هويته السياسية وإنتمائه الحزبي الضيق، ما جعل معركته خاسرة، وأفقده الكثير من نقاط قوته ، فالجنرال عون خبير في خوض المعارك الخاسرة، إبتداءً من معركة الإلغاء مروراً بمعركة التحرير وصولاً إلى معركة وصوله لرئاسة الجمهورية ومحاولاته الفاشلة بالتحايل على الدستور، واليوم يخوض معركة صهره لتولي قيادة الجيش بطريقة إنتقامية لعدم قدرته على الحصول على تأييد أكثرية نيابية توصله لسدّة الرئاسة الأولى .
والسؤال الذي قد لا يخطر في بال العماد عون : كيف يمكن أن يقوم الجيش اللبناني بكامل واجباته الوطنية على كامل الإراضي اللبنانية ، إذا فرض صهره قائداً لهذا الجيش رغماً عن أنف نصف الشعب اللبناني وفي ظلّ وضع أمني مهزوز ووضع سياسي مأزوم وفي ظلّ هذا الفراغ العظيم الذي يغرق فيه "شعب لبنان العظيم" بسبب تعطيل الجنرال عون وأعوانه وحلفائه لعمل مجلسي النواب والوزراء وإصراره على الوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية ولو على جثّة الجمهورية ؟؟
سبق أنّ تولى العماد عون قيادة الجيش ، ولم يكن ذاك القائد الناجح، وأنهى حياته العسكرية بفراره من أرض المعركة وترك العسكريين لمصيرهم ، وعندما أصبح في مأمن ، أرسل لهم عبر الإعلام أمراً بأن يتلقوا الأوامر من العماد إميل لحود ، ومع ذلك ، فإنّ التيار العوني يعتبر الجيش اللبناني ملكَ الجنرال عون، والجنرال عون يتصرّف على هذا الأساس، والمزايدات العونية في تأييد الجيش لطالما إنعكست سلباً على أداء الجيش وأدّت إلى إرباكه وإحراجه في الكثير من المعارك .
واليوم ، يريد الجنرال عون أن يصبح صهره على رأس المؤسسة العسكرية مع بزّة برتقالية فاقعة، وأن يصبح الجيش اللبناني مؤسسة برتقالية مرجعيتها الرابية وليس اليرزة، وأن يصبح العماد قائد الجيش عضواً في تكتل التغيير والإصلاح، والجنرال عون مقتنع ويريد أن يُقنعنا ويقنع جمهوره بأنه قادر على فعل كل ذلك، وهو أعجز من أنّ يستقيل من الحكومة على الرغم من كل هذا الصراخ والغبار الذي يثيره !!!