نجح المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله في حياته في إقامة مؤسسات متنوعة تربوية وثقافية وإجتماعية ودينية وإعلامية ، ورغم أنّ أولاده وأقربائه ومحبيه نجحوا في ضمان استمرارية هذه المؤسسات بعد حوالي الخمس سنوات على رحيله، فإنّ هناك سؤال أساسي يطرح دائماً : كيف يمكن أن يستمر مشروع السيد التغييري والإجتهادي والنقدي وهل يتم فقط الإكتفاء بالحفاظ على المؤسسات القائمة وإعادة إصدار كتبه ونشر كلماته ومواقفه ؟.
من أجل إستمرارية هذا المشروع وتطويره لا بد من وضع بعض الملاحظات النقدية على هذه التجربة :
فلقد كان لدى السيد محمد حسين فضل الله مشروعاً واضحاً ومحدداً من خلال آرائه الفكرية والفقهية ومؤسساته التي أقامها وطروحاته السياسية والحركية وهي موجودة في كتبه ونصوصه وممارساته، وقد تمّ تأصيل هذه الأفكار في الموسوعة الخاصة بالسيد والتي صدرت بعد رحيله، لكن المشكلة الآن أنّ هذا المشروع يواجه تحديات جديدة فقهياً وسياسياً وفكرياً ولا سيما بعد الثورات الشعبية العربية، وقد يكون صحيحاً أنّ نجله السيد علي فضل الله يحاول مواكبة التطورات والمتغيرات ويصدر المواقف والآراء وقد عمد لإطلاق مشروع ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار، لكن حتى الآن لم تتضح آفاق المشروع المستقبلي لمؤسسات السيد ولم تحدد في نص محدد وواضح ، وهناك إجتهادات وآراء مختلفة في هذا الإطار.
كما أنّ إحدى التحديات الكبرى لمؤسسات السيد هي في كيفية تطوير البنية الفقهية والمرجعية والإدارية والمالية من أجل تأمين موارد مالية وضبط الأمور الإدارية وإعادة التمركز ومنع التشتت في ظل هذا العدد الكبير من المؤسسات وتأمين الغطاء المرجعي والديني لهذه المؤسسات ، طبعاً لا بد من الإشارة إلى جمعية المبرات الخيرية التي وضعت خططاً تطويرية مستقبلية وتعمل لتنفيذها وهي تتمتع بقدرات إدارية ومالية جيدة ، لكنّ المطلوب أن يكون هناك خطة متكاملة لمؤسسات السيد وأن يتم وضع أليات جديدة للجمع بين كل المؤسسات وإدارتها مع الحفاظ على الشفافية المالية التي تميزت بها هذه المؤسسات من خلال إصدار موازنات مالية سنوية حول الإيرادات والمصروفات.
إنّ مؤسسات السيد نجحت في السنوات الماضية في الإستمرارية والتجدد لأنّها اعتمدت لغة العصر وهذه كانت إحدى وصايا السيد الدائمة، واليوم وفي ظل التطورات التكنولوجية المستمرة وفي ظل التحديات المستقبلية سياسياً وفقهياً وإجتماعياً وتنموياً وتربوياً فإنّ هذه المؤسسات معنية بوضع خطط وأفكار لمواكبة كل هذه التطورات وتلك مسؤولية كبيرة على مؤسسات السيد والفريق الذي يشرف على هذه المؤسسات.
لكن على الرغم من وجود عقبات عديدة قد تواجه مؤسسات السيد فضل الله في المرحلة المقبلة، فإنّ مجرد استمراريتها لمدة خمس سنوات بعد رحيله، فإنّ ذلك يؤكد أنّ هذه المؤسسات أصبحت تمتلك قدرة ذاتية على الإستمرار، لكن المطلوب عدم الإكتفاء بالإستمرارية، بل المطلوب تطوير العمل وإيجاد أشكال جديدة من النشاط، وإعادة الحضور في كل المجالات الفكرية والتربوية والثقافية والإجتماعية والعلمية والإعلامية، وتلك مهمة ليست سهلة لكنها غير مستحيلة .