إنّه الصيف، حيث يحلو للكثير من الفتيات أن يلبسن ما قلّ من القماش، خصوصاً الملوّن بالزهري والأصفر والأزرق وغيرها من ألوان الفصل الحار، التي تجتذب شهوةً ذكوريّة وغيرةً أنثويّة.
ولكن للتنّورة القصيرة قصّة... طويلة.
بدأت موضة "القصير" في لندن تحت سماء مكفهرّة حيث تجرّأت امرأة صبيّة كان رأسمالها الوحيد الجرأة، على أن تقلب مفاهيم الموضة رأساً على عقب.
صبّت ماري كوانت قالباً غير مألوف، طالما رفضه عمداء الموضة المحافظون من قبل، وكأنّها شاءت بذلك تغيير طقس بلادها، لتعيد الشمس الى سمائها وبين أغصان أشجارها، بعدما هجرتها سنين طويلة.
برزت الساق الى أعلاها، والأقمشة صارت بخيوط ناعمة، والشعر استرسل على الأكتاف حرّاً طليقاً ذهبيّاً، والشفاه صارت تتغذّى بالعسل واللوز.
لم يمضِ بعض الوقت على ظهور الموضة الجديدة التي جعلت من المرأة طفلة، حتى قفزت الى أوروبا من دون حدود ولا استعداد، وأخذت معامل الألبسة الجاهزة تورّد كميات من الفساتين الخفيفة والتنانير القصيرة التي سمّيت فوراً "ميني" ثمّ "ميكرو".
وبعد تردّد لم يدم موسماً كاملاً وصلت موضة التنورة، أو موضة الساقين البارزتين، الى بيروت، فاستقبلتها الفتيات بإقناعٍ مغرٍ، وتركت السيّدات المحافظات كلاسيكيّتهنّ جنباً ليهبطن بسرعة سلّم أعمارهنّ ولتشبه الأم ابنتها شكلاً وملامح.
ووصلت ثورة الموضة الى دار كريستيان ديور، وولدت في الصالونات تناقضات في الأزياء وغاب التناغم في الألوان. وبعدما كان "الشورت" رائجاً في الملاعب الرياضيّة، فإنّه استعار من بدلات السهرة قماشاً وبريقاً ودخل الى أضخم السهرات ترافقه تنورة مشقوقة من الأمام أو من كلي الجانبين. وتربّعت السيقان المعتدلة على أمجادها، وبعدما كان العنق والصدر رمزين للإغراء في أوائل الخمسينيات، تبدّل كلّ شيء في النصف الثاني من الستينات وصارت الساقان وحدهما حديث المصمّمين والمبتكرين.
وكشف بيار كاردان عن الركبة وتبعته إحدى دور الخياطة الأكثر رصانةً في فرنسا: لانفان. يومها زادت الأقمشة ألواناً وصارت الألوان المتنافرة مثلاً تلتقي بعضها ببعض بسعادة وأناقة، وبطُلت الفساتين المطرّزة الثقيلة.
إنّه عهد المرأة الحرّة. الحرّة بتصرّفها واختيار عملها وخروجها من منزلها. ولهذا كلّه كان لا بدّ من ثياب عمليّة حرّة وخفيفة تنطلق بها أينما حلّت.
وثمّة كهرباء تسلّلت الى شرايين المرأة فصارت ذات موسم أكثر نشاطاً وصحة ونضارة... واستعارت الموسيقى يومها من ثورة الأزياء إيقاعاً. وكان لـ "الجيرك" رواجه وبعدما كانوا يرقصون على أنغام التانغو الحالمة ويتعانقون، صار للحبّ معنى آخر. ومن دون أن يلمس الشاب حبيبته، فإنّ الموسيقى أخذت على عاتقها أن توصل نار الحبّ الى كلّ من الحبيبين.
يومها انشقّ العالم قسمين: أتباع الموضة الجديدة والـ "ميني جوب" والمرح والنشاط، والأمينات لكلاسيكيّتهنّ وتقاليدهنّ القديمة. ولعلّ العالم ما زال مقسوماً حتى اليوم.
يبقى أنّ الموضة، وخصوصاً التنّورة القصيرة، لا تناسب الجميع...
(mtv)