هناك علاقة قوية ومشتركة بين كلمتي الفتوى والفتنة في التاريخ الإسلامي ، وليست هذه العلاقة منحصرة من حيث الحروف ، بل هي متعدية إلى واقع الأمة الإسلامية ، لأنَّ الفتوى الشرعية تُعتَبر هي المخرج الشرعي لتنفيذ المأرب والغاية والهدف، وبالتالي هي الكفيلة لتحصيل براءة الذمة لدى المُكلَّف ويكون معذوراً بغطاءٍ شرعيٍ ودينيٍ...
وحينئذٍ عندما توجد الفتنة قطعاً توجد فتوى بل فتاوى إلى جانبها ، تارةً فتوى بإخمادها، وأخرى بإيقاضها أو بتغذيتها ، من قِبَل أصحاب العمائم سواء قصدوا ذلك أم لم يقصدوا، ولعل من أهم العوامل التي تمر على الأمة الإسلامية
والعربية من حروبٍ وقتلٍ وتشرذمٍ ، ومن فتنٍ وتكفيرٍ وتحريضٍ وكفرٍ وشتمٍ ولعنٍ ، وإضعافٍ في جسم هذه الأمة ، مما شوَّه صورة ما يسمَّى بالإسلام والمسلمين ، وبالثقافة الإسلامية والتربية الدينية ، بل وفي جميع المذاهب
والطوائف ، ويتعدَّى ذلك إلى المذهب الواحد والطائفة الواحدة والبلد الواحد ، كلُّ ذلك تحت ثقافة تفسير القرآن الكريم والنصوص الدينية والروايات التاريخية ، وبالتالي إيجاد التبريرات والأسباب والمعذوريات لكل الأحكام والفتاوى
والتكاليف التي تصدر من رجال الدين وممن يثقفونهم بتلك الثقافة التي مكَّنت كل من ينتمي إلى حركةٍ دينيةٍ وإسلاميةٍ لأن يبحث عن مبرِّرٍ لتكليفه ، سواء أدى ذلك إلى تفريق المجتمع أو شرذمته ما دامت الذمة بريئة ومطمئنة بنظافة ضميرها...
وهذا ما نراه في واقعنا ومجتمعنا وازدات المشاكل والأزمات والكوارث إلى حدِّ الفتنة المأزومة والمستمرة والمستندة إلى تلك الفتوى الشرعية التي هزَّت الأمة والمجتمع ، حتى وصلت الفتنة إلى كل قريةٍ وفردٍ من أبناء جلدتنا ،
وأصبحنا نرى التفجيرات والقتل في الشوارع والمساجد ودور العبادة والكنائس والحسينيات والتجمعات ، وكل ذلك يحدث بفتوى شرعية من قِبَل رجال الدين، وايضاً هذه الفتوى تجلب الفتنة من إستغلال الحركات والأحزاب والأنظمة
والحكومات والسلطات في عالمنا الإسلامي والعربي التي مرَّت في تاريخنا المظلم ، والتي نمرُّ بها اليوم، هي لخدمة الحاكم لبسط النفوذ والتخلص من كل من يعتبرهم معارضين له أو خارجين عن سلطته ونفوذه بشكلٍ شرعيٍ وبغطاءٍ
دينيٍ بواسطة فقهاء السلاطين وفقهاء القتل والفتن، والتاريخ مليئ بالشواهد بمثل هذه الفتاوى والفتن ولا فرق بينهما ، فعندما توجد الفتنة توجد الفتوى، وعندما تكون الفتوى تكون الفتنة ، وتبقى العلاقة بينهما قوية ومشتركة من حيث الحروف ومن حيث المعنى والواقع.