المسلّم به أنّ قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز يتمتع بمناقبية عسكرية عالية وبمواصفات شخصية رفيعة ، قد تؤهله كما غيره من الضباط " الموارنة " برتبة عميد ركن خريجي دورات 1980و 1985 لموقع قيادة الجيش .
هذا الكلام قد يصح في بلد غير محكوم بنظام طائفي بغيض ، وكذلك محكوم أيضاً بمعادلات سياسية دقيقة تحتم مراعاتها أكثر بكثير من المؤهلات الشخصية أو من الكفاءات الفردية التي يجب بحسب المنطق السليم أن تكون وحدها المعيار في تبوء المواقع الحكومية أو الوظائف العامة في المجتمعات التي تتمتع بالحد الأدنى من مفاهيم الحداثة وسيادة القانون .
هذه الحقيقة المؤسفة والتي لا شكّ أنّها واحدة من أم المصائب التي تعيق مسيرة التقدم في لبنان وتجعل من مؤسساته عرضة دائما للتخلف الحاصل والتراجع الواضح في الوصول إلى مرحلة قيام الدولة .
فالمعوقات السياسية التي تقف حائلاً بين شامل روكز للوصول إلى قيادة الجيش هي تماماً كالعوائق التي تقف أمام أي ضابط مؤهل لقيادة الجيش ويتمتع بمواصفات عالية ولكنه غير ماروني لتتحول سنيته مثلاً أو شيعيته أو درزيته أو أي مذهب غير ماروني ينتمي اليه بالولادة فقط حاجزاً طبيعياً في بلد أنظمته غير طبيعية .
وكما أنّ ركون هؤلاء الضباط الغير موارنة إلى هذا الواقع المتخلف والشاذ وإعتباره من ضمن السياقات التي لا يمكن القفز فوقها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فإنّ الإعتبارات السياسية وتعقيدات الموازين الداخلية وحسابات الأفرقاء والتركيبة السياسية للقوى الفاعلة والمشّكلة لخارطة المصالح ، وإن كانت كلها هي الاخرى واحدة من مظاهر التخلف الذي يعاني منه البلد إلا أنّها تعتبر تماماً كظاهرة الطائفة ، فقد تشكل هي أيضاً حاجزاً لا يقل سماكة وقوة أمام وصول كفاءات كشامل روكز أو غيره .
ومن هنا يمكن إعتبار مناطحة هذه المعادلات الداخلية لا تعدو أكثر من مناكفات لا جدوى منها إلا المزيد من الإرباك على الساحة المحلية وتزيد من الفرقة بين اللبنانيين في وقت هم بأمس الحاجة إلى التفتيش عن مساحات مشتركة للوقوف علها سوياً أمام أخطار يقرّ الجميع أنها قادمة لا محالة .
وفي مثل حالة العميد شامل روكز وإصرار عمه على تعيينه فإنّ المتضرر الأول من هذا التعنت هو العميد نفس قبل أي أحد آخر ، لأن المناقبية التي يخبروننا عنها والتي هي محل تقدير الكثيرين إنّما توظف في سبيل المحافظة على إستمرار وبقاء المؤسسات وخدمة المصلحة العامة وتقديمها على المصالح الشخصية، وإلا فالحديث عن هذه المناقب يصبح محل شك أو تتحول إلى مجرد دعاية تسويقية لا أكثر،
لذا فإن "مناقبية" العميد شامل روكز الحقيقية قد تفرض عليه موقفا " تاريخياً " عبر إعلان رفضه هو ، في ظل ما آلت إليه الأمور أن يكون عنصراً معطلاً أو عاملاً مساهماً في المزيد من تدهور المؤسسات العامة خاصة أنّ الحديث يتعلق بالمؤسسة العسكرية .
فالمطلوب من العميد روكز وقفة تاريخية عبر خلع ثوب المصلحة الشخصية و( التضحية) الحقيقية بالمنصب وحمل (شرف) تقديم حساب الوطن على حساب العائلة و( الوفاء) للوطن بالقول أنّه لا يريد موقع قيادة الجيش .
فإنّ موقفاً بهذا الحجم من العميد نفسه قد يجعل منه أكبر بكثير من مجرد قائد للجيش .