بإيعاز سعودي للملمة الشارع وضبط الانقسام داخل تيار المستقبل، انكفأت «انتفاضة الشارع» لإسقاط وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد ساعات من بدئها. حظي الرجل بمظلة دعم واسعة، بدأت باتصال الرئيس سعد الحريري به وبوزير العدل أشرف ريفي لتهدئة الصراع، ومن ثم تخصيص الحريري له، عبر نادر الحريري، بزيارة دعم في مكتبه. ذروة مراجعة الحساب تجاهه سجلت أمس بدعم كتلة المستقبل وبزيارة ريفي نفسه له في الوزارة.
وبدا لافتاً اصطحاب ريفي للنائب معين المرعبي الذي عرف بمواقفه الحادة ضد وزير الداخلية. فسّر المشنوق الخلاف في الرأي «باجتهادات سياسية انتهت. ونحن متفاهمان على أن كل ما يحصل لا يخدم إلا التطرف ومتفقان بالسياسة الأساسية والخطوط العريضة. وبالشخصي، لا خلاف، بل صداقة عمرها طويل». أما ريفي فتحدث عن علاقة «أخوية وتاريخية، ولسنا مستنسخين عن بعضنا، لكننا نلتقي دائماً على الخطوط العريضة».
وفيما أوحت عاصفة «شريط رومية» بالانحسار، لم ييأس ريفي من المحاولة مجدداً لاستثمار تسريب شريط تعذيب السجناء في سجن رومية، ولكن هذه المرة عبر التصويب على حزب الله واتهامه بالوقوف «وراء تسريب الأشرطة»، لافتاً إلى «وجود شريطين آخرين وزعا في الوقت ذاته لكن لم ينتشرا على غرار الشريطين الأولين». وقال إن «الحزب وحده يمتلك الشريطين الجديدين»، جازماً بأن الهدف من تسريب الأشرطة «إحداث فتنة بين السنّة والشيعة»، ومقرّاً بأن أحد الشريطين الجديدين، المعروف بـ»فيديو عائشة»، عمره عامان. وفيما اعتبر المشنوق كلام ريفي «اجتهاداً سياسياً»، ردّ حزب الله على ريفي ببيان جاء فيه أن «من المعيب أن يقوم المتهم الرئيسي بهذه القضية بالتهرب من مسؤولياته أمام ضميره والقانون والرأي العام برمي التهمة على الآخرين».
كتلة المستقبل في بيانها الأسبوعي «ضمّت صوتها الى صوت المشنوق، ونوّهت بمبادرته للاستعانة بالصليب الأحمر الدولي للكشف على السجون، وأيّدت موقفه من أجل تحسين أوضاع السجون في لبنان بما يتناسب مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمطالبة بالمضي في التحقيق، بشكل شفاف وصارم، حتى خواتيمه، وصولاً للمحاكمة العادلة لمرتكبي هذه الجريمة»، فيما أشاد الرئيس نبيه بري بأداء وزير الداخلية، ولاحظ انه «يفعل عين الصواب». وشدد على أن يشمل التحقيق والعقاب «من سرّب الشريط المصوّر ومن يقف وراءه. السؤال الكبير الذي يطرح في هذا المجال: لماذا سُرّب الشريط في هذا الوقت بالذات مع أنه صوّر في نيسان الماضي. هناك غاية ووظيفة لمثل هذا العمل؟». وتلقى بري مكالمة هاتفية من المشنوق حول التمرد الذي وقع أمس في سجن رومية، وعلم أن وزير الداخلية قال له: «هذه المرة دور الشيعة». فردّ بري: «طبّق القانون على الجميع».
وزير العدل يجدد
استثمار تسريب شريط التعذيب
ضد حزب الله
من جهته، النائب ميشال عون في ختام اجتماع تكتل «التغيير والإصلاح» رأى أن حادثة رومية «خطأ أفراد وليست خطأ مؤسسة، وبالتحقيق تتحدد المسؤوليات ويتم اتخاذ الإجراءات من دون تشهير. وفرع المعلومات يتحمل المسؤولية، وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها بتجاوزات».
شريكة ريفي في استعراض «شريط رومية»، هيئة علماء المسلمين، لم تشف غليلها بعد حتى إسقاط المشنوق أو «نحكم لبنان وحدنا» كما قال نائب رئيسها الشيخ سالم الرافعي. عقب صلاة ظهر أمس، نظمت اعتصاماً في مسجد العبدة في عكار. وكانت ليل الاثنين قد نظمت «صلاة التراويح والدعاء على الظالمين» في معرض رشيد كرامي في طرابلس تقدمها الرافعي والنائب ضاهر. ولوّح الرافعي مجدداً بالاستعانة بـ» ثوار سوريا ضد ظلم أهل السنّة في لبنان. ولنذهب حينها إلى الفدرالية التي نبغضها ولا نحبّها».
من جهته، استمر الرئيس نجيب ميقاتي في استثمار الخلاف الداخلي في المستقبل، فأصدر بياناً ضد هجوم وسائل الإعلام التابعة للتيار وتحميله المسؤولية عن معاناة السجناء الإسلاميين. «خير من جسد الاستغلال السياسي هو تيار المستقبل، الذي ما توقف عن فبركة الاتهامات والأضاليل والافتراءات عندما كان خارج السلطة، لينقلب على كل الشعارات التي رفعها فجأة فور دخوله الحكم. وحملات التضليل السياسي والاعلامي التي يعتمدها، لم تعد تجدي نفعاً في التغطية على مآزقه».
(الأخبار)
المحكومون يطالبون بمساواتهم مع الإسلاميين
ليست المرة الأولى التي ينتفض فيها مبنى المحكومين في سجن رومية. منذ عام 2008، علّم سجناؤه زملاءهم في مباني «ب» و»د» والأحداث فنون التمرد من إحراق الفرش والأغطية إلى احتجاز الحراس. واستفادة من الجو العام المتضامن مع سجناء رومية، استغل عدد من نزلاء المحكومين إشكالاً فردياً لتحويله إلى تمرد للمطالبة بمساواتهم بالسجناء الإسلاميين. مصادر من داخل السجن أوضحت أن أعمال التمرد التي اندلعت ظهر أمس في المبنى «أ»، بدأت بعودة سجين كان يتلقى علاجه في المستشفى. قام حراس السجن بتفتيشه بشكل دقيق بناءً على معلومات عن ابتلاعه كمية من المخدرات خلال وجوده في المستشفى بغرض تهريبها وبيعها داخل المبنى. عند وصوله إلى زنزانته، دخل في عراك مع زملاء له اشتبه بوشايتهم به. الجلبة التي أحدثها العراك، انعكست على الزنازين الأخرى أعمال تمرد للمطالبة بتحسين ظروفهم. على نحو سريع، تمددت أعمال الشغب بين الطبقات الثلاث. اعتدى سجناء على بعض الحراس محاولين احتجازهم، وحاولوا إحراق الفرش والأغطية وكسروا بعض المحتويات وأبواب الزنازين.
الفهود والقوة الضاربة في قوى الأمن الداخلي ضربوا طوقاً أمنياً في محيط المبنى، في وقت أوفد فيه وزير الداخلية نهاد المشنوق مستشاره العميد منير شعبان لمفاوضة السجناء والاستماع إلى مطالبهم. وقد توصل الطرفان إلى اتفاق بتنفيذ بعض مطالبهم، والحؤول دون اقتحام المبنى بالقوة وضبط تمدد تمرد كاد أن يندلع في مبنى الأحداث. ومع انتشار الأنباء عن التمرد، قطع عدد من أهالي السجناء في الأوزاعي الطريق أمام السيارات، قبل أن يقوم الجيش بفتحها.