ظلت المعطيات بشأن ما طرحه الموفد الفاتيكاني الكاردينال دومينيك مامبرتي في لبنان شحيحة، فلم تتخط إطار العموميات والخطوط العريضة، علماً أن ما تسرّب بعد مغادرته ثبّت قطعاً الربط النهائي للاستحقاق الرئاسي بالصراع الدائر على مستوى المنطقة.
والأبرز في لقاءات مامبرتي اللبنانية محطتان تمثلتا بلقائه رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. ففي لقاء مامبرتي ـ جعجع أبلغه الاخير استعداده للانسحاب من السباق الرئاسي اذا اتفقنا على بديل، أي لا هو ولا عون. وهذا الطرح حمله مامبرتي إلى عون لكنه لم يسمع جواباً.
ما هي النقاط التي ركّز عليها مامبرتي في تناوله الاستحقاق الرئاسي؟ تقول المعلومات إن الموفد الفاتيكاني ركّز على ثلاث نقاط رئيسية:
ـ النقطة الاولى: هناك هاجس عند الدوائر الفاتيكانية طرح عبر سؤال: هل الرئيس الجديد يساعد في تقوية النفوذ الإيراني أم لا؟ إذ يحتاج الفاتيكان إلى ضمانات بأن الرئيس العتيد لن يقوّي النفوذ الايراني في لبنان، أي لن يسير في خط التمدد الإيراني أو تسهيل هذا التمدد، ليس لأنه ضد إيران، إنما لاعتقاده أن هذا الامر سيغلّب فريقا على فريق ويضرّ بالتوازن الذي يقوم عليه لبنان. فالتوازن المسيحي ـ الإسلامي أو السني ـ الشيعي الذي يحرص عليه الفاتيكان، يحاول تثبيته على أرض الواقع، لأن هناك نقزة عند الغرب، ومن ضمنه الفاتيكان، من التمدد الإيراني. وهذا لم يعد سراً، خاصة أن التجربة العراقية بيّنت هذا الأمر.
ـ النقطة الثانية: ركز الموفد الفاتيكاني على تبيان مقدار التعاون الإسلامي مع الرئيس المسيحي القوي، لأنه على ضوء ذلك تتغير الكثير من الأمور. وعليه لا بد من الإجابة عن عدد من الأسئلة: هل يستفز خيار الرئيس القوي المسلمين، وهل يتعاونون معه أم لا، وهل ينهكونه أم لا؟..
ـ النقطة الثالثة: وهي مدى تجاوب الفريق الآخر مع تطوير «الطائف»، لا تعديله ولا إلغائه، وما هو مفهومه للتطوير. إذ شرح مامبرتي أن الطائف ولد في ظرف كانت فيه المنطقة العربية ومن ضمنها لبنان في حالة معينة، والآن تغير الوضع ولم يعد هناك وجود مسيحي وازن إلا في لبنان، وبالتالي هل بالإمكان تطوير «الطائف»، بحيث يشعر المسيحيون أنهم شركاء حقيقيون؟
وفي هذه النقطة، يتناغم عون مع الموقف الفاتيكاني، إذ إنه لا يتحدث عن إلغاء «الطائف» أو تعديله، بل تطويره، من خلال تركيزه على مسألة الشراكة المسيحية ـ الإسلامية، وتأكيده أن المسيحيين يريدون شراكة حقيقية، لأنه لم يعد هناك مسيحيون وازنون إلا في لبنان. وفي السياق نفسه، هناك كلام يتداول، لم يطرحه الفاتيكان، عن إمكانية المجيء بمسيحيين من العراق وسوريا الى لبنان.
وتضيف المعلومات أن كل ذلك يعني أن الفاتيكان مع تطوير «الطائف»، في سياق تعزيز الشراكة المسيحية ـ الإسلامية، لا أن يكون التطوير على حساب المسلمين وصلاحيات رئاسة الحكومة أو مجلس النواب. وهنا يمكن التركيز على ردة فعل «المستقبل» على طلب عون بإدراج موضوع التعيينات في مجلس الوزراء، حيث استنفر «التيار» دفاعاً عن صلاحيات رئاسة الحكومة، ناقلاً المواجهة من مكان إلى آخر. فعون لا يتحدث عن صلاحيات رئيس الحكومة بل يقول العكس. يقول إنه يريد لمجلس الوزراء أن يمارس صلاحياته وأولاها التعيين، فكان الرد أن ذلك مسّ بالصلاحيات. علماً أنه عندما أنيطت صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء مجتمعاً، وحتى قبل أن تنتقل الصلاحيات بالشغور، فإن صلاحية تعيين موظفي الفئة الاولى كانت من اختصاص مجلس الوزراء، وليست من صلاحيات رئيسه، لذلك فليطرح التعيين وإذا حصل اسم على الثلثين يعيّن وإذا لم يحصل، وهو الأرجح، لا يتم التعيين.
تؤكد المعلومات أن الطرح الفاتيكاني حول تطوير الطائف أرفق بالسعي إلى معرفة مدى قدرة الشراكة الإسلامية المسيحية على الصمود والتفاعل. فهذه الشراكة تشغل بال الفاتيكان، والتقرير الذي سيعده مامبرتي سيضمنه الأجوبة التي على ضوئها ستتقرر الخطوة التالية.
والخلاصة التي خرج بها مامبرتي تشير إلى أن القيادات المسيحية غير قادرة على الحسم في موضوع الرئاسة. أما السعي إلى تمكينها من حسم خياراتها فلا يبدو ممكناً في الوقت الحالي، حيث ما يزال لبنان خارج أولويات التوافق الدولي.
المصدر :السفير