حضرَت تطوّرات ملفّ سجن رومية في اجتماع عُقِد في السراي الحكومي عصر أمس بدعوةٍ مِن رئيس الحكومة تمّام سلام، شاركَ فيه وزيرا الداخلية والعدل نهاد المشنوق وأشرف ريفي، والمدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص.

واطّلعَ سلام في الاجتماع على ملابسات القضية وعلى آخِر ما وصَلت إليه التحقيقات مع رجال الأمن المتورّطين في هذه المسألة. ووصَف ما ارتكِب بحقّ السجناء بأنّه «عملٌ مشين وغير أخلاقي» فضلاً عن أنّه «مخالف للدستور اللبناني الذي يكفَل حقوق الإنسان، وللقوانين اللبنانية التي ترعى حقوق السجناء مهما كانت التهَم الموجّهة إليهم أو الأحكام الصادرة بحقّهم».

وطلب من الأجهزة القضائية والأمنية «المضيّ في تحقيقاتها بكلّ مهنية وشفافية» لمعرفة تفاصيل ما جرى وتحديد المسؤوليات وإنزال العقوبات الجنائية والمسلكية بحق من تثبت مخالفتُه للقوانين وتعسّفُه في استعمال العنف بطريقة غير مبرّرة».

وأبلغَ سلام المشنوق وريفي «تأييدَه الكامل لكل الخطوات التي قاما بها حتى الآن لمعالجة هذا الملف، ولِما أبدَياه من حكمةٍ ومسؤولية وطنية وحِرص على القوانين»، ودعا إلى «التعامل مع هذا الملف برَويّة وحَصره في إطاره القانوني بعيداً عن الغرَضية السياسية والتحريض الذي يسيء للاستقرار ويضرّ بالصالح العام».

وأكّد حِرصَه على «حماية مؤسسات الدولة وتحصينها»، محَذّراً مِن «استغلال عملٍ شاذ وغير معهود في سلوك قوى الأمن الداخلي، للإساءة إلى هذه المؤسسة الوطنية التي يشهَد اللبنانيون لها، قيادةً وأفراداً، ولتضحياتها وكفاءتها في حماية أمنِهم والتصَدّي لأصعب المهمات وأدقّها».

قرارات لمجلس الوزراء

وكشفَ سلام في كلمةٍ له في حفلِ إفطار جمعية المقاصد أنّه «سيكون هناك مجلسُ وزراء وقرارات لمجلس الوزراء ومواقفُ لمجلس الوزراء، لأنّ البلاد بحاجة لموقف ودَورٍ لنرفعَ جميعُنا رأسَنا به» .

وأضاف: «لقد حقّقَت هذه الحكومة الكثيرَ الكثير في الأشهر الماضية وما يزيد عن السَنة، وستستمرّ بذلك إن شاءَ الله بالتعاون مع الجميع ومع القوى الفاعلة والمؤثرة والتي تَغار على لبنان، وسنَعمل أيضاً إن شاءَ الله على أن يكون أيضاً إلى جانب السلطة التنفيذية السلطةُ التشريعية أيضاً لتقومَ بواجبها، فليس مِن المعقول في نظامنا الديمقراطي أن تشَلّ السلطة التشريعية، فهي العامود الفقريّ لهذا النظام، وسنَتعاطى نحن مع السلطة التشريعية مِن موقعِنا في السلطة التنفيذية لنسيرَ بالوطن إلى شاطئ الأمان».

المشنوق

وكان المشنوق زار سجن رومية واجتمعَ مع إدارة السجن والضبّاط والمسؤولين الأمنيين قبل أن يستمع الى السجناء الذين تعرّضوا للضرب. وأكّد أنّ «التحقيقات في قضية التعذيب مستمرّة، ولن نتوقّف إلّا بعد أن تصدرَ أحكام قضائية بحقّ كلّ مَن شاركَ بالارتكاب الذي حصَل، وقد أوقف 6 عناصر، 3 مسلمين و3 مسيحيين». وشدّدَ على أنّ «هذا الارتكاب الذي قامت به مجموعة من العسكريين لا يجب أن ينالَ ولا لحظة لا من هيبة ولا من سمعة قوى الأمن الداخلي».

وعن توقيت بَثّ الشريط وإمكانية ان يكون الهدف استهدافه، قال: «لستُ أنا مَن يهم، ما يَهمّ هو الدولة ومؤسساتها والمهمّ أن تستمرّ مؤسسة قوى
الأمن الداخلي»، وطمأنَ أهالي الموقوفين الى أنّ «هذه الأخطاء لن تتكرّر»، وأعلن أنّه «مستعدّ للاستقالة غداً إذا كانت هذه الاستقالة تخدم الدولة ومحاربة التطرّف».

ورفضَ اتّهامَ ريفي في الموضوع، «ولا أعتقد أنّ لديه فكرة ليزعزعَ موقعي، لأنّه بذلك لا يكون يزعزع موقعي فقط بل موقع الدولة وموقع قوى الأمن الداخلي الذي عملَ فيها 40 عاماً».

وعن وجود معركة داخل البيت الواحد، أي داخل تيار «المستقبل»، أوضَح «أنّه ليس ببساطة القول إنّ المعركة داخل البيت الواحد، هناك أشخاص في البيت ذاته يعتقدون أنّهم يجب أن يسايروا موجةً شعبية يستفيدون منها ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا مشاركين أو متسَبّبين بها»، مخَفّفاً من «وطأة ظهور مزيد من الأشرطة».

وفي سياق دعم تيار المستقبل لخطواته ومواقفه وإجراءاته، إستقبلَ المشنوق عند الخامسة والنصف من عصر أمس في مكتبه بالوزارة مديرَ مكتب الرئيس سعد الحريري السيّد نادر الحريري الذي أكّد له دعمَ تيّار المستقبل.

ريفي

ووصَف ريفي لـ«الجمهورية» خلفيات تسريب الفيديو بأنّها عملية «غير بريئة وغير نظيفة» في شكلِها وتوقيتها وفي الحملات الإعلامية المنظمة التي رافقَتها، معتبراً أنها تستهدف الاعتدال السنّي في لبنان ووحدة صفّهم وشعبة المعلومات وأمن البلد وعلاقتي المميّزة مع وزير الداخلية، فنحن من مدرسة واحدة».

وقال: «ليسَت المرّة الأولى التي يستهدفون فيها زملاءَ لي وأصدقاء، وقد سبقَ لإعلام «حزب الله» أن حاولَ دقَّ إسفين في العلاقة بيني واللواء وسام الحسن للتفريق بيننا، وفشلوا في تحقيق أيّ مِن أهدافهم في النهاية، ومَن يخطط هذه المرّة سيفشل أيضاً، كذلك ليست المرّة الأولى التي استهدِف فيها والوزير المشنوق، فقبل ثلاثة أشهر نُظّمت الحملة عينُها عندما طرح موضوع المحكمة العسكرية وردَّدت عليها بدعوته الى زيارة ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث قرأنا الفاتحة معاً لوضعِ حدّ لهذه المهاترات والتي بالفعل توقّفَت بعدها قبل أن تتجدّد قبل أيام. وإذا دعَت الحاجة اليوم إلى تكرار هذه التجربة لن أتأخّر لحظة وأنا حاضر.

وحذّرَ ريفي المواطنين من الأخذ بالشائعات الخطيرة والمغرضة التي تطلَق من حين الى آخر، ومنها الشائعة التي تحدّثَت عن تورّط مسيحيين في الاعتداء على الإسلاميين، مجدّداً الدعوة إلى تجاوُز هذه الشائعات الرخيصة».

زوّار ريفي

ونَقلَ زوّار ريفي عنه أنّ 4 أهداف وراء خلفيات تسريب الفيديو:

الهدف الأوّل، «حزب الله» يريد حرفَ الأنظار عن التطوّرات السورية التي شهدَت في الأسابيع الأخيرة خسائرَ كبرى للنظام، وهي مرشّحة للاتساع والتطوّر في الاتجاه ذاته، فضلاً عن أنّه وجَد نفسَه محاصَراً في القلمون، وبالتالي أراد نقلَ المعركة والصورة إلى حلبةٍ أخرى.

الهدف الثاني، ضرب الاعتدال السنّي مِن أجل تعويم التطرّف، ونقل المشكلة من وطنية، مع تغييب «حزب الله» للدولة، إلى داخل البيئة السنّية بين اعتدال وتطرّف، لإلهاء القيادة السنّية باهتمامات جانبية، ولكنّ هذه المحاولة لن تنجحَ، لأنّ الاعتدال هو القوّة الأكبر، والشارع السنّي لن يمنحَ الحزب فرصة تحقيق أهدافه من خلال استخدام الشارع السنّي.

الهدف الثالث، تشويه صورة «المعلومات» التي حقّقَت أبرزَ الإنجازات الأمنية، وبالتالي الانتقام من ملفّ ميشال سماحة عبر إثارة قضية رومية، فضلاً عن محاولة شَلّ حركتها وعملِها كونها تخدم مشروع الدولة في لبنان.

الهدف الرابع، ضرب العلاقة بيني وبين المشنوق في محاولةٍ لإظهار أنّ هناك شرخاً داخل «المستقبل»، والشريط المسرَّب يذكّرني بشريط «أبو عدس».

ووفقَ الزوّار أنّ التحقيقات مع العسكريين الذين توَلّوا التصوير دلّت بأنّهم نَقلوا الشرائط عن غير قصد، وبالتالي مجرّد خروج تلك الأشرطة من الدائرة الضيّقة أدّى إلى تسريبها.

حمّود

وأشار القاضي حمّود لـ«الجمهورية» إلى أنّ التحقيق في ملف تعذيب السجَناء في رومية اختتِم أمس ويحال إليه اليوم للاطّلاع عليه واتّخاذ الإجراءات اللازمة في شأنه، وقال إنّه نتيجة التحقيقات الأوّلية تمّ توقيف 5 عناصر من شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، أحدُهم ظهَر في الفيديو وهو يمارس التعذيبَ على السجناء، وعنصر ثانٍ صوَّر المشاهد وسَرّب الفيديو إلى ثلاثة من زملائه قد أوقِفوا بدَورهم.

وأوضح حمّود أنّ الأوّل والثاني يلاحَقان بجرم ممارسة التعذيب أمّا الثلاثة الباقون فيلاحَقون بجرم كتمِ المعلومات عن رؤسائهم والسلطات المختصّة على رغم علمِهم بحصول الجريمة.

وأكّد حمّود بأنّ التحقيقات بيّنَت أنّ مَن مارس التعذيب إنّما قام به بمبادرة شخصية وبلا إيعاز من أحد ولا الرجوع لا إلى رؤسائه ولا إلى أيّ مرجَع آخر. وأوضَح أنّ القضاء لم يَعلم بهذه الممارسات التي تمَّت خلال التمرّد الأخير للسجَناء لأنّها بقيَت قيدَ الكتمان، ولفتَ إلى أنّه يُشتبَه بأنّ العناصر الثلاثة الذين سُرِّب إليهم الفيديو هم مَن سَرّبوه بدورهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

وإذ رفضَ حمّود الدخول في هوية العناصر وانتمائها الطائفي، في ظلّ الحديث عن أنّهم ليسوا من طائفة واحدة بل هم مسيحيّون ومسلمون، قال: أيّاً كان مَن قام بهذا العمل سيلاحَق وفقَ القوانين، ونحن ماضون في الإجراءات، تاركاً للقضاء الذي سيُحال إليه الملف، تعيينَ العقوبة الملائمة بعد خضوع الموقوفين للمحاكمة.

خليّة الأزمة

على صعيد آخر يترَأّس سلام عصر اليوم اجتماعاً لخليّة الأزمة الحكومية المكلّفة متابعة ملف العسكريين المخطوفين بعد طول انقطاع بحضور كامل الأعضاء.

وقال أحد أعضاء الخلية لـ«الجمهورية» إنّ المجتمعين سيَستمعون إلى الجديد الذي يَحمله المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم المكلف بهذا الملف من قبَل الخلية وما أنجِز إلى اليوم ليُبنى على الشيء مقتضاه في المرحلة المقبلة.

وأكّد أنّ معظم الروايات التي تنسَج حول المفاوضات الجارية للإفراج عن العسكريين هي من نسجِ الخيال، مؤكّداً العملَ وفق خريطة طريق واضحة ولا يمكننا مجاراة مسَلسل الشائعات المتلاحقة والغامضة الأهداف، خصوصاً أنّ بعضها يجافي الكثير من الحقائق والتي لا يمكن التوقف عندها.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ «جبهة النصرة» قطعَت التواصل منذ بداية شهر رمضان مع الوسيط القطري الذي لا يزال يَنتظر منها جواباً في شأن بَدء تنفيذ اتفاقية التبادل المنجَزة، وأنّ «النصرة» لم تبَلّغ أسباب تجميد تنفيذ الاتفاقية، وهي كانت تعزو تلكّؤَها السابق الى أسباب تقنية لا علاقة لها بمعارك القلمون إطلاقاً، وكانت تفاوض في الفترة الأخيرة على رغم المعارك الدائرة في معزل عنها بعدما فصلت في الأساس ملف العسكريين عن المعارك.

في المقابل، لا تزال الاتصالات مقطوعة مع «داعش»، ولا خبرَ رسمياً عن العسكريين المخطوفين لدَيها باستثناء ما تتناقله بعض وسائل الاعلام عن وسطاء.

الشأن الحكومي

وفي الملف الحكومي، توقّفَ النائب وليد جنبلاط عند «التعطيل غير المبرّر للحكومة التي هي آخر معقل دستوري ومؤسساتي عامل ودائماً لأسباب واهية وغير مبرّرة على الإطلاق. وشدّد على أنّ «مصالح الناس والإهتمام بقضاياهم أهمّ بكثير من الحسابات الفئوية الضيّقة لهذه الجهة السياسية أو تلك».

بدَوره، قال وزير الصحّة وائل ابو فاعور من عين التينة أمس إنّ الأزمة السياسية متمادية، ولا يبدو أنّ هناك حَلّاً ما يلوح في الأفق. وشدّد على وجوب إيجاد مخرج للأزمة السياسية والدستورية، وأن يكون هناك اتفاق، وإذا لم يكن هناك اتفاق يجب ان يكون هناك احتكام للدستور».

الاتّحاد الأوروبي

في هذه الأجواء، نبَّه الاتّحاد الأوروبي إلى أنّ الفراغ الرئاسي الذي طالَ أمدُه، وحالة الجمود المؤسساتي في لبنان، يَحملان آثاراً وخيمة على البلاد من الناحيتين السياسية والاقتصادية.

وناشَد وزراءُ خارجية الدوَل الأعضاء في الاتّحاد الذين اجتمعوا في لوكسمبورغ أمس في بيان «الأطرافَ السياسية اللبنانية بذلَ الجهود لانتخاب رئيس جديد. وإذ أثنوا على عمل الحكومة برئاسة الرئيس سلام، دعوا الأطراف السياسية اللبنانية إلى تسهيل مهمّتها، حيث «سيكون من الصعب على الجهات المانحة للبنان العمل في مثلِ هذه الظروف الشديدة التعقيد».

وأكّدوا مجدّداً التزامَهم بالعمل من أجل دعم المؤسسات العسكرية والأمنية «في حربها ضدّ التطرّف والإرهاب، فـهناك قلقٌ خاص لدينا من تزايد الغارات وعمليات إطلاق النار وتهريب السلاح والبشَر والقطع الأثرية عبر الحدود مع سوريا».