بعد أن شكّلت الأشرطة المسرّبة من سجن رومية مادة سامة دسمة التفّ من حولها شذّاذ الآفاق وأرباب التطرف إلى مائدة التحريض الإعلامي والاستغلال السياسي لإفراغ ما في جعبتهم من حقد تاريخي بغيض على مؤسسة قوى الأمن الداخلي والقيّمين على إنجازاتها الوطنية، جاء التدخل السريع والمسؤول من قبل وزيري الداخلية والعدل ليقلب الطاولة في وجه كل المغرضين ويعيد وضع الأمور في نصابها القويم بمواكبة حكومية من الرئيس تمام سلام الذي أكد إثر اجتماعه بالوزيرين نهاد المشنوق وأشرف ريفي تأييده الكامل لخطواتهما في معالجة الملف، وبغطاء سياسي وطني من الرئيس سعد الحريري الذي أوفد أمس مدير مكتبه نادر الحريري إلى وزارة الداخلية مؤكداً «دعم تيار المستقبل للوزير المشنوق». في حين خرج رئيس شعبة «المعلومات» في قوى الأمن الداخلي العميد عماد عثمان عن صمته حيال حملة التحامل التي طاولت الشعبة وعناصرها خلال الساعات الأخيرة على خلفية اللقطات التي ظهرت في الشريط المسرّب، فشدد في حديث خصّ به «المستقبل» أمس على «ثابتتين لن يتم الرجوع عنهما مهما كانت الظروف: محاسبة المرتكبين، وعدم السماح بعودة «الإمارة» في سجن رومية مهما كانت التضحيات».

وبينما حذر رئيس مجلس الوزراء من «استغلال عمل شاذ وغير معهود في سلوك قوى الأمن الداخلي، للاساءة إلى هذه المؤسسة الوطنية«، أشاد سلام بما أبداه الوزيران المشنوق وريفي «من حكمة ومسؤولية وطنية وحرص على القوانين» في مقابل «العمل المشين وغير الاخلاقي» الذي حصل في سجن رومية، داعياً إلى «التعامل مع هذا الملف بروية وحصره في إطاره القانوني بعيداً عن الغرضية السياسية والتحريض«. 

وكان المشنوق قد تفقّد أمس سجن رومية حيث استمع إلى المساجين الثلاثة عمر الاطرش وقُتيبة الأسعد ووائل الصمد الذين ظهروا في الشريط المصوّر أثناء تعذيبهم من قبل بعض العناصر الأمنية المتفلّتة، وأكد توقيف 6 منهم «3 عناصر مسيحيين و3 مسلمين»، بعدما كان قد اجتمع بكبار ضباط وآمري السجن المركزي بحضور قائد الدرك العميد جوزيف الحلو وقائد منطقة جبل لبنان الاقليمية العميد جهاد الحويك.

وإذ لفت إلى أنّ المساجين الثلاثة أكدوا له أنهم مع انتقالهم إلى المبنى «ب» لم يتعرضوا لأي مخالفة أو أي خطأ بحقهم، آثر المشنوق عدم الرد على الحملات السياسية المغرضة التي استهدفته، مكتفياً بإبداء رفضه لما أشيع عن اتهام الوزير ريفي بالضلوع في تسريب هذه الأشرطة، ووضع زيارته السجن في إطار توجيه رسالتين، الأولى تؤكد أنّ ما حصل «لا يجب أن ينال ولا لحظة لا من هيبة ولا من سمعة قوى الأمن الداخلي«، بينما الثانية تشدد على أنه «ستتم محاسبة أي ضابط أو عنصر يخالف الحقوق الانسانية لأي سجين».

مطالب السجناء

وعن مطالب السجناء التي أكد المشنوق تلبيتها في إطار ما يسمح به القانون، أوضح مرجع أمني لـ»المستقبل» أنّه بنتيجة الاجتماع الذي عقده الضباط المسؤولون مع عدد من نزلاء المبنى «ب» فقد تمت الاستجابة إلى معظم مطالبهم، باستثناء بعض المطالب التي لا يسمح القانون بالقبول بها مثل «فتح أبواب النظارات لعدة ساعات يومياً، وإدخال سخانات كهربائية إلى داخل الزنزانات، وإعادة عدد من السجناء من سجن الريحانية إلى سجن رومية، مع المواقفة فقط في هذا المجال على إعادة واحد منهم».

وفنّد المرجع الأمني المطالب التي تبلّغ المساجين قرار الموافقة عليها بالآتي:

ـ تحسين وضع النزهة اليومية.

ـ تأمين برّادات للمساجين (سيتم تسليم 9 منها اليوم).

ـ إطالة مدة المواجهة مع الزوار (لتصبح 30 دقيقة بدلاً من 20 دقيقة).

ـ زيادة أعداد حمّامات «الدوش» للاستحمام في الطوابق.

ـ تأمين كتب دينية للمساجين.

ـ السماح بنشاطات رياضية.

ورداً على سؤال، أكد المرجع الأمني أنّ التحقيقات مع العناصر الأمنية الموقوفة في قضية تعذيب السجناء والتعرض لهم بإهانات لفظية يفترض أن تكون انتهت مساء أمس تمهيداً لإحالتهم إلى القضاء المختص لمحاكمتهم.

عثمان

بالعودة إلى تصريح رئيس شعبة «المعلومات»، وتعليقاً على ما شهدته البلاد في اليومين الماضيين من ردود أفعال على خلفية ما تم نشره من مقاطع فيديو تظهر تعرّض عناصر من قوى الأمن الداخلي لبعض السجناء بالضرب والإهانات، فقد أكد العميد عثمان لـ»المستقبل» وجود «ثابتتين لن يتم التراجع عنهما مهما كانت الظروف»، الأولى تتمثل في «محاسبة المرتكبين وهذا ما بوشر به منذ اللحظة الأولى بإشراف النيابة العامة التمييزية ومن دون أي ضجيج إعلامي عبر إجراء تحقيق شفاف لن يتوقف عند أي حدود توصلاً لكشف كافة الملابسات المتعلقة بما حصل ومحاسبة المرتكبين»، لافتاً الانتباه في هذا السياق إلى أنّ «التحقيق في حالات مماثلة كان قد بدأ قبل أكثر من شهر واتُّخذت في حينه أقصى العقوبات بحق المخالفين من دون الإعلان عن ذلك».

أما «الثابتة الثانية»، فأوضح عثمان أنها تتعلق «بعدم السماح بعودة «إمارة رومية» التي تمّ إنهاؤها إلى غير رجعة مهما كلّف ذلك من تضحيات»، مشدداً على أنه «منذ اتخاذ القرار بإنهاء ما اُّتفق على تسميته «إمارة رومية» والنجاح بذلك من خلال تنفيذ عملية أمنية محكمة بداية العام الحالي شهد العالم بأجمعه لمدى الاحتراف الذي نُفّذت به، لم يستوعب المتضررون هول الصدمة فكانت المحاولة لإعادة إحياء «الإمارة» عبر ما حصل في المبنى «د» منذ شهرين لكن هذه المرة كانت الخطة مدروسة فتم إقفال جميع المنافذ بعد التعرض بالضرب المبرح لعناصر الحراسة واحتجازهم فكان التفاوض وإطلاق العسكريين ثم اتخذ القرار الصارم بعدم السماح بعودة «الإمارة» كما كان مخططاً كون المخططين كانوا يراهنون على الوقت فحصلت العملية الثانية في المبنى «د» وكانت إعادة السيطرة على سجن رومية بسرعة وتوزيع السجناء لاحقاً بين المبنيين «ب» و»د» بعد الانتهاء من ترميم المبنى «ب» في السجن».

وختم عثمان حديثه بالإشارة إلى أنّ «الضجيج الذي أثير في اليومين الماضيين» جعله يخرج عن صمته ليذكّر الجميع بأنّ «شعبة المعلومات قدّمت وما تزال تقدّم الكثير لهذا الوطن وهي ضحّت بخيرة ضباطها وعناصرها ومنعت الكثير من الجرائم وساهمت في مواجهة الجرائم والإرهاب بدعم ومتابعة يومية من معالي وزير الداخلية والبلديات بشهادة القاصي والداني»، لافتاً إلى أنه «حين كانت تحصل الأخطاء كانت الشعبة تبادر إلى الاعتراف بالخطأ وتعالجه بكل شجاعة بعيداً عن الصخب الإعلامي سواءً في إنجازاتها أو في محاسبتها للمخطئين«.

ريفي

من جهته، ورداً على حملة الاستهداف التي طالته من قبل وسائل إعلام قوى الثامن من آذار، قال الوزير ريفي لـ«المستقبل»: «مَن سرّب شريط أبو عدس (إبان جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) هو نفسه الذي يتهمني اليوم بتسريب شريط رومية«، وأردف: «إنّ أبواق «حزب الله» وبشار الأسد أغبياء لأنهم لم يتعلّموا من الماضي عندما حاولوا على مدى 8 سنوات التفريق بيني وبين اللواء الشهيد وسام الحسن وكنت وإياه حينها نجتمع كل ليلة ونتندّر متهكمين على محاولاتهم البائسة»، مضيفاً: «وها هم من جديد يشنون منذ 3 أشهر حملة جديدة للإيقاع بيني وبين الوزير نهاد المشنوق وكنت قد اقترحت عليه أن نذهب سوياً لنقرأ الفاتحة عند ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري لنقول لهؤلاء «خيطوا بغير هالمسلّة» لكنهم رغم فشلهم لم يتعلموا بعد».

وإذ شدد على أنّ «هذه الحملة إنما تستهدف الاعتدال السني ووحدة قيادته وصورة شعبة المعلومات»، جزم ريفي بأنّ «هؤلاء لن ينجحوا في تحقيق مآربهم ولو استمروا في حملتهم 8 سنوات أخرى»، مشيراً إلى أنه كان طيلة الساعات الماضية «على تواصل مع الوزير المشنوق بالتوازي مع التواصل المستمر مع رئيس الحكومة والرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة لمتابعة كل التفاصيل ومواكبة التطورات واستيعاب الشارع وتفويت الفرصة على الذين يسعون إلى الاصطياد في الماء العكر».