يدرك بشار الأسد انه إنتهى بالنسبة الى سوريا التي نعرفها، وإنسحابات قواته دون قتال من تدمر الى تل أبيض بعد هزائمها في الجنوب والشمال، يعتبره الكثيرون مسارعة الى التحصّن في الدويلة العلوية، التي تبقى بالنسبة الى الإيرانيين جائزة ترضية بعد التكاليف الهائلة التي تكبدوها، خصوصاً انها تؤمّن خط الإتصال مع "حزب الله" عبر بعلبك والهرمل.
لا يحتاج هذا الكلام الى قرائن، يكفي ان نتذكّر كيف عومل كوفي أنان وكيف خُوِّن الأخضر الإبرهيمي قبل عامين، وكيف إستُقبل دو ميستورا قبل يومين في الأحضان، لكي نعرف الى أين وصل الخط الإنحداري عند الأسد، الذي بات مقتنعاً ان مصالح روسيا في سوريا يمكن أي نظام بديل ان يضمنها، وان اميركا لا تضع هامشاً يفصل بينه وبين "داعش" الذي ولِد نتيجة المذابح التي نفذها مصراً على الحل العسكري المستحيل!
في ٢٠ كانون الاول ٢٠١٢ هدد الأخضر الابرهيمي بالإستقالة، لأن الأسد نقعه اربعة ايام في دمشق قبل ان يقابله، بعد ذلك نقعه تسعة ايام منتظراً في القاهرة قبل ان يحدد له موعداً، قبله عُومل كوفي أنان ونقاطه الست كمسخرة ولم يكن في وسعه مفاتحة الأسد في موضوع تشكيل حكومة جديدة، وقبل الإبرهيمي وأنان اللذين إتهمهما الأسد بالإنحياز الى الإرهابيين تم تطفيش المراقبين الدوليين وقبلهم عُومل المراقبون العرب كمهرجين وأُطلقت النيران عليهم!
في السابع من هذا الشهر دعا دو ميستورا الأسد الى الرحيل عن السلطة وطالب اميركا بالضغط عسكرياً في هذا الإتجاه، ففي حديث الى صحيفة "ديلي بيست" طالب واشنطن بتجاوز مجلس الأمن والفيتو الروسي لتتدخل عسكرياً وتقتلع الأسد لفتح الطريق امام تسوية سياسية!
لو جاء دو ميستورا الى سوريا قبل عامين قائلاً هذا الكلام لكان أُرسِل الى "بيت خالته" في المزة، لكنه بعد تسعة ايام فقط من ذلك جلس في حضن الأسد لمدة ثلاث ساعات، ولم تتردد وكالة "سانا" في القول "ان أجواء اللقاء كانت إيجابية وان الأسد أبلغه ان مكافحة الإرهاب باتت أولوية وانه مستعد للتعاون للتوصل الى حل للأزمة المستمرة منذ ٢٠١١".
عجيب وسبحان مغيّر الأحوال، يطالبه بالرحيل ولو بعمل عسكري اميركي فيستقبله بالأحضان، غريق يحتاج الى خشبة، لكن دو ميستورا الذي بحث طويلاً عن حصرم حلب إستأسد ليرد على مطالبة الأسد بمحاربة الأرهاب بالقول "ان محاربة الإرهاب تتطلب الاسراع في المسار السياسي الذي سيقود الى وضع أمني مختلف، وهذا يشكّل ايضاً أولوية بالنسبة إلينا والأمران يسيران بالتوازي"!
دو ميستورا تعمّد الإشادة بالمبادىء "التوجيهية "التي توصل اليها سلفاه المرموقان أنان والإبرهيمي، ولم يكن ينقصه سوى ان يقول للأسد : فاجأتك مووو؟!
(راجح الخوري)