من 1953، تاريخ انتسابه إلى الحزب الشيوعي، حتى عام 1990، نشر كريم مروة كتابين الأول، عام 1974، عنوانه، كيف نواجه الأزمة؟ والثاني، عام 1985 وموضوعه المقاومة الوطنية اللبنانية. الأول تتويج لمرحلة نهوض، والثاني، دفاع مستميت عن المقاومة التي كانت تتعرض للتنكيل.
كتابان فقط في أربعين عاما، ثم حوالي عشرين كتابا في عشرين عاما. نتاجه الفكري والسياسي صار غزيرا بعدما بدأت أزمة الحزب.ذلك أن النضال اليومي لا يوفر ظروفاً ملائمة للابداع الفكري، كما أن موجبات العمل اليومي تنحاز إلى السياسي وتكبح الجانب الثقافي والفكري فيه. السياسي يستعجل اتخاذ القرار، فيما المثقف أوالمفكر يتأنى لأن همه هو البحث عن الحقيقة. المثقف يميل إلى طرح الأسئلة والتساؤلات وإثارة الاشكاليات، بينما يميل السياسي إلى تقديم الأجوبة، وأجوبته جاهزة. وفيما ينحاز المثقف للشك طريقاً إلى اليقين، ينحاز السياسي للجزم والحزم ويرى في الشك والتشكيك تخاذلا وتردداً ونقصاً في الشجاعة والاقدام.
أزمة الحزب بدأت منذ عام 1983، في وهج بطولات الشيوعيين وتحرير بيروت والجبل، لأن ما كان يريده الحزب الشيوعي من المقاومة لم تكن تريده دول القرار الاقليمي، خصوصا بعد رفضه الامتثال لقرار الانخراط في حرب المخيمات. كريم مروة المثقف استشعر بها فوضع كتابه الثالث، حوارات، وأصدره عام 1990، ، فيما السياسي الذي فيه كان يكبت هذا الشعور ويملي عليه تأجيل هذا التاريخ إلى مواعيد متلاحقة إلى 1993، ثم إلى1999، لتبلغ ذروتها، بحسب رأيه، ابتداء من عام 2000". السياسي الذي في كريم مروة لم يعترف بوجود أزمة في الحزب في الثمانينات، مع أن شهداء الحزب قضوا في عام 1987، ضحية جانب من جوانبها، عنيت به إصرار القيادة على التحالف مع خصوم الخندق الواحد.
التباين، بين السياسي والمثقف داخل شخص كريم مروة ، بدأ إذن في أواخر الثمانينات، ولم يكن واضحاً في حينه. المثقف شعر بالأزمة لكن السياسي حال دون كشف أسبابها الحقيقية.
في عام 1993 بدأت الكفة تميل لصالح المثقف، حين قرر كريم مروة التخلي عن مسؤولياته في القيادة الحزبية والتفرغ للكتابة. كان عاما حاسما. لم يتمكن "رسمياً" من تنفيذ قراره إلا بعد عشر سنوات، لكنه نفذه تنفيذاً عملياً حين انتصر للمثقف الذي فيه على السياسي الذي فيه، انتصرت عنده الأسئلة على الأجوبة، ثم تحولت الأسئلة إلى تساؤلات، وأخذت مداها فبدت تشكيكاً بكل شيء، بحثاً عن اليقين الضائع.
تشكيك، لكن بشهامة ونبل، فهو يشكك بكل الماضي لكنه لا يتبرأ منه. قرأ المتشددون شكه ولم يقرأوا التزامه، ولذلك أخذوا عليه ذهابه بعيدا في النقد حين حمّل لينين وماركس والثورة الاشتراكية مسؤولية الكارثة والانهيار. كما أخذوا عليه ليونته في السجال مع الفكر الاسلامي. وكان ذلك للسبب ذاته المتعلق بالتناقض بين آليات العمل السياسي التي تفترض المرونة والمهارة في استخدام المناورة ، وأليات البحث الفكري والصراع الإيديولوجي.
القطيعة المعرفية في فكر كريم مروة حصلت يوم طلق العمل السياسي بالثلاث وتفرغ للكتابة في ميدان الفكر السياسي. عندها ظهرت جرأته على نفسه وتاريخه وأخطائه وتجربته الحزبية من غير أن يتحول النقد عنده إلى تبرؤ من ماضيه الغني بالصالح والطالح. غير أن جرأته ظهرت أكثر ما ظهرت في موضوعين اثنين : نقده اللغة الخشبية التي كانت الحركة الشيوعية واليسارية ما تزال متمسكة بها رغم كل الانهيارات، ونقده تجربة الحرب الأهلية اللبنانية.
في الموضوع الثاني كان كريم أكثر جرأة وأكثر ارتباكا في آن. أكثر جرأة لأنه قرر مع قلة من قيادة الحزب القيام بقراءة نقدية شجاعة لتجربة الحرب الأهلية، متسائلاً ، "ألم يكن ممكناً أن يتجنب العقلاء... أن يفعلوا المستحيل لمنع انفجار الحرب الأهلية بتلك السرعة المذهلة، ويعملوا لمنع استمرارها بعد أن انفجرت كالبركان؟!
" أما ارتباكه فعائد إلى عبء السياسي على المثقف. كريم مروه صار يحكي عن "بلدي الخالد لبنان" وعن اليسار في "بلدي لبنان"، وعن "الوطن النهائي" مع أنه لا وجود برأيه في كوكبنا وفي الكون كله لشيئ نهائي، بعد أن كان هذا الوطن جزءا من أمة ومن أممية. تحول مطلبه من لبنان الحكم الوطني الديمقراطي الذي يفسح في المجال أمام الاشتراكية، فصار لبنان الديمقراطي فحسب، لبنان الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات، لا دولة "الأفراد والعائلات والسلالات الاستبدادية".
هذه الدولة كانت موجودة بمواصفات الحد الأدنى، غير أن أحزاب التغيير والتقدم شاركت بتدميرها وتدمير الوطن من أجل الأمة. حين انتقل كريم من السياسة إلى الثقافة، سعى إلى البناء، فاقترح صيغة جديدة لبناء الوطن وصيغة جديدة لبناء اليسار. كلاهما للنقاش.