قبل حوالي الأسبوع اطلقت مجموعة من الشخصيات والأحزاب السياسية اللبنانية مبادرة تحت عنوان : المبادرة السنية الوطنية، وقد شارك في إطلاق المبادرة عدد من الشخصيات والأحزاب والتي كانت دائماً تتحرك بأسماء وطنية وعروبية ووحدوية وكانت ترفض دوماً التحدث من منطلق مذهبي أو طائفي ، وتضمنت المبادرة أفكاراً وطروحات وطنية ووحدوية ومعتدلة ، ويمكن لأي انسان لبناني أو عربي أو مسلم أو مسيحي أن يتبناها أو يوقع عليها أو يشارك فيها .
لكن الملفت في إطلاق الوثيقة حرص المشاركين في إطلاقها وتبنيها والدعوة إليها إضافة " السنية" إلى "الوطنية" في عنوانها، وهذه ظاهرة جديدة في العمل السياسي اللبناني بدأت تنتشر في السنوات الأخيرة حيث بدأت بعض القوى والهيئات السياسية والدينية تضيف الإنتماء المذهبي إلى نشاطاتها وعناوينها، في حين لم نكن نشهد مثل هذه الظاهرة في العقود الماضية بل كان جميع الناشطين السياسيين والشخصيات السياسية والحزبية يحرصون على إعتماد أسماء وحودوية وعروبية وعالمية .
وفي مقابل انتشار الصفة السنية أو المذهبية في بعض الأوساط الإسلامية والعروبية في لبنان والعالم العربي، بدأت تنتشر الصفة الشيعية أو الدرزية أو العلوية في أوساط أخرى، ومن الإشارات إلى ذلك أنّ مركز للدراسات الإستراتيجية تابع لإحدى المؤسسات الدينية الكبرى في العراق بدأ يصدر مؤخراً نشرة خاصة لرصد أخبار الشيعة والتشيع في العالم ، وقد برر القائمون على المركز هذا التوجه بأنّ إبراز الهوية الشيعية أصبح ضرورة اليوم، والصفة الشيعية أصبحت ترتبط ببعض التحركات السياسية والحزبية وتراجعت الإتجاهات الوحودية والإسلامية والعروبية في الأوساط الإسلامية الشيعية.
كما انتشرت أيضاً الإنتماءات العرقية والإثنية والجهوية والقبلية في العديد من الصراعات في العالم العربي والإسلامي كما هو حاصل في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول ، كما أنّ بعض المحللين والمراقبين بدأ يتحدث عن احتمال أن يصل التقسيم المذهبي والعرقي والإثني إلى دولتين عريقتين في المنطقة وهما تركيا وإيران ، وأنّ هناك مخططات لتقسيم هاتين الدولتين بعد إثارة القلاقل فيهما من خلال إثارة القوميات والإثنيات المختلفة .
وكل ذلك يحصل برضى وموافقة القوى الوحدوية والعروبية والإسلامية في المنطقة والتي لم تعد تبالي بالحفاظ على الوحدة الوطنية أو الإهتمام بالوحدة العربية أو الإسلامية أو بإعتماد المنطق العالمي للنضال كما كان سابقاً.
طبعا هناك من يرفض هذا المنطق ويعمل لمواجهة هذا الإتجاه التفتيتي كما هو حاصل من خلال المؤتمر القومي العربي أو المؤتمر القومي – الإسلامي ، أو من خلال بعض مراكز الدراسات والأبحاث وبعض المبادرات الوحدوية ، لكن للأسف نلاحظ أنّ المنطق التفتيتي والمذهبي والعرقي والقبلي أصبح يتقدم على المنطق الوحدوي، وهذا ما كانت تعمل له منذ سنوات طويلة الإتجاهات الصهيونية والإسرائيلية وبعض الدوائر الغربية التي تريد تفتيت المنطقة إلى دول مذهبية وعرقية .
فهل نساهم نحن في تحقيق هذا المخطط التفتيتي والتقسيمي أم نعمل لمواجهته ورفضه وإعادة الإعتبار للوحدة الوطنية والاسلامية والعروبية والعالمية؟