هي الصبية الطفلة التي يعتقد كل من يراها أن عمرها لا يتجاوز الخمس سنوات، لكنها في الحقيقة تبلغ 19 عاماً، وهي تعيش مع آلام مرض ووجع مجتمع لا يرحمها، هي ايناس محمد الذي رافقها "التهاب المفاصل الرثوي" منذ صغرها فهشّم عظامها وحرمها من النمو بشكل طبيعي.
جرثومة اصابت معدة ايناس في الصغر غيّرت مسار حياتها، فهي التي عانت في عمر الأربعة أشهر من اسهال وتقيؤ استمرا خمسة أشهر، الأمر الذي أدّى إلى جفاف في مفاصلها، لتبدأ بعدها رحلة معاناتها مع مرض التهاب المفاصل الرثوي، الذي أُعْجِب برفقتها فلم يفارقها إلى اليوم. هو الرفيقالعدو الذي حرمها ممارسة حياة طبيعية، فلا تقوى على القيام بأيّ أمر، فتأخذ والدتها وشقيقتها أي مهمة عنها، حتى إنها لا تستطيع المشي في الشارع فتضعها والدتها أم نزار داخل عربة لتبدأ أسئلة الناس المتطفلة "كم عمرها"؟
"حياة تشبه الحياة"
أم نزار حاولت كل ما في وسعها لعلاج ابنتها. أدخلتها عدة مستشفيات لكن بحسب ما شرحت لـ"النهار" "الفقر حال دون إدخالها إلى مستشفى جيد، لكن عندما تطوّرت حالتهاأدخلتُها الى اوتيل ديو فأخبرني الطبيب انني تأخرت في علاجها، وانها بحاجة إلى ابر في العرق للنمو، فلن تستفيد بعد اليوم من الأكل عن طريق الفم، كان ذلك قبل نحو 18 سنة، لكن للأسف لم استطع أن أخضعها للعلاج لأن الأونروا ليست متعاقدة مع هذه المستشفى".
علاج مكلف
حالة إيناس تزداد سوءًا، فالضعف الذي أصاب عظامها كبير، حتى إنه وصل إلى حدّ التشوه والتهشيم، وحرمها من النمو الجسدي ودخول المدرسة، وحتى من أن يكون لديها صديقات،تقول بصوت خجول "أريد أن أشفى، أن أعيش حياة طبيعية، أن اخرج وحدي سيراً على الأقدام، أن يكون لدي صديقات".
"الأمراض المستعصية والمزمنة تزداد وتقديمات الأونروا الاستشفائيّة تتناقص"، وتُضيف ام نزار "تم تخفيض نسبة الاستشفاء إلى 50 % لا بل إلى 35%. اليوم تحتاج ايناس إلى أربع أبر في الشهر كلفتهم 1000 دولار، طبيبها يؤمن لي بعضها من العيّنات المجانية، وذلك عدا الأدوية الأخرى التي تبلغ تكلفتها 100 ألف ليرة كلّ أسبوع. والدها يعاني من مرض الديسك ويعمل في محل لتصليح المولدات الكهربائية، لكن لا يمكنه تأمين المبلغ، فالمردود قليل وعائلته التي تسكن في مخيم نهر البارد كبيرة، تتألف من فتاتين وولدين، لا يستطيع أن يؤمّن لهم اكثر من قوتهم اليومي هذا إن تأمّن".
نوع من الروماتيزم
اخصائي أمراض المفاصل والروماتيزم الدكتور عماد عثمان أكد في حديث لـ"النهار" أن "التهاب المفاصل الرثوي هو نوع من الروماتيزم الذي يصيب المفاصل ويؤدي إلى تهشّم العظاموبطء النمو في حال لم يعالج". ويتابع "أصبح لهذا المرض عدة انواع من العلاجات التي قد تستغرق لسنوات"، شرط الكشف المبكر عن الحالة وعلاجها وهي في مراحلها الاولى للوصول الى نتائج جيدة. اذ ان "تطور التهاب المفاصل يؤدّي إلى تشوّه دائم في المفاصل وعدم القدرة على تحريكها".
تورّم وآلام
"لا يوجد سبب معيّن ولا عمر محدد للإصابة بهذا المرض،الذي ينتج عنه تورّم وألم، فيصبح أكثر حدة عندما يكونالمريض في وضعية الراحة لاسيما ليلاً، اما في الصباح فيصاب المريض بالتيبّس فلا يتمكّن من تحريك مفاصله.وترافق هذا المرض اعراض كثيرة منها ارتفاع الحرارة والتعبوفقدان الشهية وفقر الدم".
ويبقى السؤال هل يشفى المريض بشكل نهائي من هذا المرض؟ اجاب عثمان "نعم يمكن ذلك" ، ولفت "التشخيص المبكر والعلاج المناسب يساعدان على وقف تطوّر المرض، وتجنب حصول عطل في المفصل الذي ما ان يحصل لا يمكن العودة الى الوراء وإعادته إلى طبيعته".
هذا المرض الذي لم يخجل من دخول منزل عائلة محمد،والمكوث وسطه لسنوات منغِّصاً حياتها، وقاضياً على مستقبل ابنتها، ولا يبدو أنه سيفارقها أو يخفف من وطأته عليها، فهو متحكم بها ومتمكن من ابنتها، كونها لا تقوى على طرده في ظل الفقر والحرمان اللّذان تعاني منهما. وبعد ان اغلقت جميع الابواب بوجه ام نزار لتأمين علاج لابنتها، ها هي ايناس تحاول أن توصل صوتها الخجول علّها تجد من يتكفّل بعلاجها. كل ذلك من أجل أن تحيا "حياة تشبه الحياة"!