المجزرة التي إرتكبت من قبل مقاتلي جبهة النصرة ضد عدد من أبناء الموحدين الدروز في قرية قلب لوزة في ريف إدلب ليست حدثاُ عادياً أو مجرد جريمة سياسية ، إنّها إحدى صور تجليات الصراع على الهويات القاتلة في المنطقة العربية والإسلامية .
قد يكون صحيحاً كما قال رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أنّ هناك عدد كبير من السوريين يقتلون يومياً بسبب الصراع القائم في سوريا ، لكن مجزرة قرية قلب اللوزة تمت على أساس ديني أو مذهبي وليس على أساس سياسي ، فمن إرتكب هذه الجريمة يعتبر الموحدين الدروز مشركين أو كفرة يجب قتلهم ، وهذا ما جرى مع المسيحيين والإيزديين والأشوريين والمسلمين الشيعة و المسلمين السنة والزيديين، حيث يتم قتل هؤلاء إما بسبب إنتمائهم لمذهب أو دين أو طائفة أخرى أو بسبب الخلاف الفكري والسياسي والحزبي .
فهناك من يعتقد أو يظن أو يؤمن أنّه على حق وكل الآخرين على باطل وأنّه له الحق لقتل الأخر لمجرد الخلاف الفكري أو الفقهي أو السياسي معه ، وإذا كان القاتل اليوم من جبهة النصرة فقد يكون من داعش أو من تنظيم سياسي أو حزبي اخر.
المشكلة أنّنا نعيش اليوم عصر ما اسماه الكاتب والروائي الفرنسي – اللبناني أمين معلوف في أحد كتبه : الهويات القاتلة .
فكل واحد منّا يريد فرض هويته على الآخر ويريد للأخر أن يكون مثله أو أنّه مستعد لقتله ، وتراجع منطق القبول بالأخر وبالتنوع وبالإعتراف بالتعدديات الدينية والسياسية والمذهبية والفكرية .
وكلنا نتحمل مسؤولية ما جرى وما يجري، وإذا كان البعض يظن أنّه يمكن الوقوف بوجه هذه الجرائم فقط بالعمل العسكري والامني وبحمل السلاح لمواجهة الاخر يكون مخطئاً ، لأن المشكلة أعمق من ذلك بكثير في ظل سيادة العقل الواحد والمنطق الواحد والنظام الديكتاتوري الواحد والحزب الواحد والعقل الواحد والحقيقة الواحد وفي ظل تراجع منطق الدولة والمواطنة وسيادة منطق القانون والحق .
طبعاً نحن نتضامن اليوم مع الموحدين الدروز في قرية قلب لوزة ، كما تضامناً سابقاً مع كل الذين تعرضوا لجرائم القتل لأسباب سياسية أو فكرية أو عقائدية وبغض النظر عمن يكون القاتل أو المجرم، إن في سوريا أو العراق أو اليمن أو فلسطين المحتلة أو البحرين أو السعودية أو في مصر وفرنسا أو في أي بلد اخر.
لكن المشكلة التي نعيشها اليوم أنّ ما يجري هو صراع حقيقي على الهويات وكل واحد يريد أن يعمم هويته على العالم ولا أحد مستعد لتقبل تعدد الهويات والأفكار والعقائد والأديان ، وإن كانت الصراعات في المنطقة العربية والاسلامية هي الأكثر دموية اليوم ولن تنتهي هذه الصراعات إلا بالعودة إلى الحقيقية البديهية وهي الإعتراف بالتنوع والتعددية وأنّ لا إكراه بالدين.