لم تبلور الاتصالات والمشاورات السياسية الجارية على مستويات عدة من أجل التوصل الى مخرج للمأزق الحكومي بعد اتجاهات واضحة أو صيغة تسوية من شأنها ضمان انعقاد جلسة مجلس الوزراء الاسبوع المقبل على رغم ان اكثر من جهة مشاركة في الحكومة رجحت ان يدعو رئيس الوزراء تمام سلام الى جلسة الخميس المقبل. وفي ظل المناخ السياسي المواكب لهذا المأزق شكلت زيارة الرئيس سلام أمس لوزارة الدفاع الوطني والتي احيطت باجواء استثنائية لافتة رسالة واضحة عن الاولوية المطلقة التي توليها رئاسة الحكومة لدعم الجيش وقيادته في هذه المرحلة، وهو الامر الذي لم تخف ابعاده أيضاً في تزامن الزيارة مع الموعد الدوري المعتاد لجلسة مجلس الوزراء المرجأة.
وقام سلام بجولة على الوزارة بعد اجتماعه مع وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، ثم عقد اجتماع موسع في غرفة عمليات قيادة الجيش قدم خلاله مدير العمليات العميد الركن زياد الحمصي شرحاً مفصلاً عن مناطق انتشار الوحدات العسكرية على الحدود الشرقية وخصوصاً في منطقة عرسال ومحيطها والاجراءات التي يتخذها الجيش لمنع تسلل التنظيمات الارهابية وتأمين سلامة البلدات والقرى الحدودية وابنائها.
وحرص رئيس الوزراء على توجيه كلمة علنية في ختام الاجتماع أبرز فيها تضحيات الجيش وأداءه "المميز للحفاظ على وحدة لبنان وسيادته واستقلاله في هذه المرحلة الاكثر خطورة في تاريخ الوطن"، مشدداً على ان المؤسسة العسكرية "نجحت في تخطي الظروف الوطنية والسياسية الصعبة التي تحيط بعملها بفضل حكمة قيادتها واخلاص جنودها". واعتبر انه "بجهد جبار وكبير تمكنا من الوصول الى مكان مميز من الامن والاستقرار في البلد وقضينا على الفتنة. وهذا انجاز كبير جداً وعلينا ان نتابع الجهد". وأكد ان الحكومة "تسعى لتوفير كل التسليح المطلوب للجيش".
وفي هذا السياق أبلغت مصادر عسكرية "النهار" ان الجيش يحصل في اطار الدعم العربي والدولي له على كل ما يحتاج اليه من تسليح في مواجهته للارهاب، وقد تسلم من الجانب الاميركي أخيراً دفعة من الصواريخ الموجهة من بُعد. وخلافا لما أُشيع أخيراً، أفادت المصادر أن الهبة السعودية لم تتوقف والدليل ان وفد شركة "أوداس" الفرنسية المكلّفة تأمين حاجات الجيش من السلاح الفرنسي موجود في لبنان ويتابع مع ضباط الجيش تفاصيل تتعلق بعملية التسليح، علماً أن ثمة مئة ضابط يعملون في هذا الاطار ويتوزعون على عشر لجان. وأضافت ان الدول معنية بشكل اساسي حالياً بالامن في لبنان وكل ما له علاقة بالسياسة ليس في أولوياتها. ونقلت عن العماد قهوجي ارتياحه الى وضع الجيش ايماناً منه بأنه المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تعمل وتحمي البلد ومؤسساته حتى لو أمعن بعض السياسيين في ضرب معنوياتها وهي المؤسسة التي تقوم على المعنويات.
المأزق الحكومي
أما في شأن انعقاد مجلس الوزراء، فصرّح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ"النهار" بعد لقائه أمس الرئيس سلام بأن رئيس الحكومة لا يزال في فترة تريّث قبل الدعوة الى عقد جلسة جديدة لمجلس الوزراء ولكن ضمن حدود لهذا التريث، وهو يعتمد سياسة "يمهل ولا يهمل" في إنتظار جلاء الاتصالات الجارية. وأوضح أنه لم يسمع من الرئيس سلام أنه لن يدعو الى جلسة الاسبوع المقبل. ونقل عنه أنه عاد من زيارته امس لوزارة الدفاع مطمئنا بعد الشروح التي سمعها في غرفة العمليات عن أن الجيش يتحكم تماماً بالموقف في عرسال.
وترصد أوساط وزارية وسياسية الجولة الثالثة عشرة من الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" الاثنين المقبل في عين التينة لتبين ما اذا كانت ستؤدي الى نتائج ملموسة في شأن المأزق الحكومي، علما ان المؤشرات الثابتة حتى الآن عن موقف الحزب تؤكد مضيه في دعم موقف حليفه العماد مشيال عون من بت التعيينات الامنية والعسكرية شرطا للبحث في أي بند آخر في مجلس الوزراء.
وحضر المأزق الحكومي، في جانب بارز من لقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط والنائب ابرهيم كنعان الذي زاره في كليمنصو وسلّمه نسخة من "اعلان النيات" بين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية ". وقال كنعان لـ"النهار" انه "أطلع النائب جنبلاط على اعلان النيات كما بحثنا في ما جرى في سوريا وقدمنا التعزية للنائب جنبلاط بالمواطنين الدروز الذين سقطوا وناقشنا ايضا سبل حل الازمة الحكومية ".
وعلمت "النهار" ان جنبلاط شدد امام كنعان على ضرورة تحصين الوضع الداخلي في معرض استماعه الى شرح كنعان لاعلان النيات، فيما شدد الاخير على أهمية هذا التطور في ازالة الفتائل والخصومات . ثم طرح الوضع الحكومي ولم يخف جنبلاط تخوفه من الشلل الحكومي، لافتا الى المبادرة التي طرحها ولم تسلك طريقها الى الاستجابة . وقال كنعان ان "تكتل التغيير والاصلاح "لا يقفل على الافكار المطروحة وهو يطرح موضوع التعيينات الامنية والعسكرية من منطلق اعتبارها اولوية وطنية تعزز وضع الجيش والمؤسسات. وكان اتفاق على ضرورة البحث عن مخارج.
أحداث قلب لوزة
في غضون ذلك، أثارت الاحداث الدامية التي حصلت في بلدة قلب لوزة السورية بريف ادلب وذهب ضحيتها عدد من ابناء طائفة الموحدين الدروز على ايدي "جبهة النصرة" ردود فعل لبنانية واسعة وسط تفاعلات قلقة فرضت نفسها على القيادات الدرزية في لبنان. واذ يعقد المجلس المذهبي للطائفة اجتماعا استثنائيا بعد ظهر اليوم لمناقشة التطورات التي حصلت وما يمكن ان تستتبعه من تداعيات على ابناء الطائفة في سوريا علمت "النهار" ان المجلس يتجه الى اعلان موقف مهدئ قطعا لدابر التوظيف المتعدد الجانب لهذه التطورات والدفع نحو تحييد الطائفة وابنائها عن الصراع الآخذ بالاحتدام. وكان النائب جنبلاط رفض "كل كلام تحريضي" مذكرا بأن "سياسة بشار الاسد أوصلت سوريا الى هذه الفوضى".
وفيما أشاد الرئيس سعد الحريري بموقف جنبلاط واتصل به لهذه الغاية، اعتبر الحريري ان "أسوأ ما يمكن ان تنحدر اليه الثورة السورية هو التطوع في مهمات قتالية لا وظيفة لها سوى تقديم الخدمات المجانية الى نظام بشار الاسد".