أثارت الإنتخابات النيابية الأخيرة في تركيا الكثير من ردود الفعل بين معجب بالتجربة التركية وبين شامت بخسارة حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان للمعركة السياسية وبين متوقع حصول تغييرات عديدة في السياسة التركية الخارجية في المرحلة المقبلة .
وكل ما كتب وقيل حول هذه الإنتخابات ونتائجها يعتبر مهماً ومفيداً وضرورياً لفهم ما يجري في تركيا وإنعكاسات نتائج الإنتخابات المستقبلية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي .
وفي إطار المساهمة في الحوار والنقاش حول ما جرى في تركيا وما يمكن أن نشهده من متغيرات في المرحلة المقبلة ، نقدم هذه الملاحظات الأولية :
أولاً : لقد أثبتت هذه الإنتخابات أنّ وجود الديمقراطية في أيّ بلد هو الطريق الوحيد والأفضل للتغيير السياسي وتداول السلطة وإنّ توفر نسبة ما من العلمانية يساهم في وصول الإسلاميين للحكم ومن ثم يعطي الفرصة لهؤلاء لتقديم تجربتهم السياسية وفي الحكم .
ثانياً : إنّ ما جرى والنتائج التي حصل عليه حزب العدالة والتنمية في تركيا تؤكد أنّه لا يزال الحزب الأقوى ، وإن كانت شعبيته قد تراجعت وهذا يفرض على الحزب وقادته تقييم تجربتهم ، كما يفرض على كل الإسلاميين الإستفادة من هذه التجربة لمعرفة أسباب التراجع ، مع أنّ العديد من الباحثين والمختصين في الشؤون التركية يؤكدون أنّ نتائج الإنتخابات هي خسارة شخصية لرجب طيب أردوغان ولمشروعه السياسي وخصوصاً على صعيد التحول إلى نظام رئاسي.
ثالثاً : إنّ إزدياد نفوذ الأكراد في الحياة السياسية التركية له مؤشران سلبي وإيجابي ، فالمؤشر السلبي أن يؤدي هذا الفوز لتعزيز روح الإنفصال الكردية وأن يكون مقدمة لقيام الدولة الكردية في المنطقة وبالمقابل هناك من يعتبر أنّ الفوز السياسي والإنتخابي الكردي قد يؤدي لمزيد من إندماج الأكراد في النظام السياسي التركي .
رابعاً : لقد حقق حزب العدالة والتنمية خلال مسيرته في حكم تركيا الكثير من الإنجازات السياسية والتنموية والإقتصادية في تركيا ، وهذا هو السبب الرئيسي لإنتصارات الحزب في السنوات الماضية ، وإن كنا إختلفنا مع السياسة الخارجية للحزب في السنوات الأخيرة فإنّه لا يمكن إغفال الإنجازات السابقة ، ولذا من المفيد والضروري تقييم هذه التجربة في إطار تقييم تجربة كل الأحزاب الإسلامية في الحكم وأين اصابت وأين اخطأت .
خامساً وليس أخيراً : قد تؤدي نتائج هذه الإنتخابات إلى تغييرات مهمة في السياسات التركية الداخلية والخارجية في المرحلة المقبلة لكن علينا أن لا نضع كل أمالنا وتوقعاتنا على نتائج الإنتخابات ، ومسؤوليتنا أيضاً أن ندرس واقعنا وأسباب ما نحن عليه من مآزق ، وأن الخيار الوحيد هو قيام الدولة الديمقراطية المدنية وهي التي تؤمن لنا التطور السياسي والاجتماعي والإقتصادي والفكري ، والله أعلم.