لم يعد خافياً أنّ طهران حلّت محل دمشق في الحرب الدائرة في سوريا ، فهي تقود الحروب المشتعلة على كافة الأراضي السورية .
وعندما إستنجد وزير الدفاع جاسم الفريح بطهران عندما زارها مؤخراً سلّمها عصا القيادة ، وهي لم تتأخر فقد مدّته بالآلاف من المقاتلين الشيعة من إيران ومن العراق وحتى من أفغانستان ، وهذا يعني أنّ الأمور في سوريا إذا اتجهت نحو أي تسوية ما فإنه سيكون لطهران اليد الطولى فيها .
لذلك لم يكن مستغرباً أن يندفع النظام السوري في الأيام الأخيرة باتجاه روسيا طالباً منها تنظيم لقاء ثالث يعقد في موسكو مع المعارضة لعلّه يفتح باب تسوية سياسية تبقي شيئاً بيد النظام ورئيسه بشار الأسد سيما وأن تقدم الفصائل المسلحة نحو حلب والساحل السوري والعاصمة دمشق قد يدفعه إلى إلقاء نفسه كلياً في أحضان الجمهورية الإسلامية وبذلك يتحوّل إلى ورقة بيد إيران تستخدمها في أيّ مفاوضات حول مستقبل سوريا وحتى مستقبل المنطقة.
فروسيا تدرك أن ترسيخ إيران أقدامها في سوريا عبر ميليشيات مذهبية سيدفع أهل السنة إلى التمسك بالفصائل الإسلامية المتشددة من داعش إلى النصرة وما شابههما ، وترى في ذلك تهديداً مباشراً لأمنها القومي إنطلاقا من الشيشان أو من الدول الإسلامية التي استقلت عنها ، كما أنّها تجازف بخسارة آخر مواقعها في الشرق الأوسط لحساب إيران وهي بالتالي تخشى من تعاظم التعاون بين طهران وواشنطن على حساب مصالحها.
وكذلك الأمر بالنسبة لإيران فإنّ ما يقلقها هو أن تتم التسوية حول سوريا في أي محادثات أو تفاهمات بين واشنطن وموسكو بعيداً عنها .
ومن هنا فإنها ترى أنّ زج المزيد من المقاتلين والقوات التابعة لها في الميدان السوري يمكن أن يحقق لها هدفين أساسيين ، الأول أنها باتت القوة المقررة على الأرض في سوريا ولا يمكن تجاوز رأيها وموقفها في أيّ حوار أو تسوية سياسية ، وإذا تعذرت التسوية تكون هذه القوات هي الحصن المنيع والضامن الأول الذي يدافع عن المنطقة العلوية في الساحل السوري ، بحيث تبقى من خلالها البوابة مفتوحة مع البقاع اللبناني .
ممّ يضمن طرقا آمنة بين البقاع الشمالي والساحل الغربي لسوريا ، إذ أنّ هذه الطرق تشكل شريان وصول الإمدادات الإيرانية إلى حزب الله الذي يصرّ على إزالة أيّ مخاطر يمكن أن تتسبب بها الجماعات الإرهابية المتواجدة في بلدة عرسال وجرودها وذلك ضماناً لأمن الطريق كي تبقى مفتوحة إلى مرافىء سوريا البحرية.
وقد يتسبب ذلك بوقوع معارك شرسة ستشهدها سوريا وستحتد أكثر بعد إنتهاء الانتخابات التركية ( وهي إنتهت ) حيث تتفرغ غرفة العمليات العسكرية في تركيا التي تساعد الفصائل المعارضة لمواصلة الحرب على النظام.
وإذا كان مستقبل سوريا يلفه الكثير من الضبابية والغموض إلا أنّ الواضح جلياً أنّها تحولت أرضاً خصبة لتجاذبات دولية وإقليمية تقودها الميليشيات المسلحة في حروب مدمرة مع تلاشي أي دور للدولة .