لقد ربحنا حرباً على إسرائيل ودفعنا الإحتلال إلى زوال ما ، وتبين بعد ذلك أنّ النصر على العدو لا يعيد بناء الدولة ، ولا المقاومة شرط لقيام الدولة ولا مدخل لوحدة وطنيّة بل على العكس أسّس الإنتصار لحالة من الإنقسام السياسي سُرعان ما أفضى إلى طائفية بغيضة ومريضة ومنتشرة في الطوائف اللبنانيّة كافة .
لقد وحّد الإحتلال ما عجز عنه واقع ما بعد الإحتلال إذ أنّ اللبنانيين لم يجمعوا يوماً على موضوع كما أجمعوا على مقاتلة العدو وتحرير لبنان منه ، وكانت المشتركات بين الطوائف كثيرة وكبيرة وقد عبّرت محطات كثيرة عن لحمة اللبنانيين وتواصلهم المسؤول عن قضية وعن وطن ، وكانت حروب اسرائيل المتكررة على لبنان تواجه بموقف وطني وبتضامن شعبي تمظهر في أكثر من مناسبة بغيضة من عدوان تموز الأول الى عدوان تموز الأخير حيث تضخم الموقف اللبناني الرسمي والشعبي بطريقة منحت لبنان أملاً جديداً بالحياة .
سُرعان ما سقط ما دشنه الاحتلال من نهوض وطني طائفي مغاير لدور الإحتلال ومُعترض عليه في لحظة تماهي مع الحسابات الخارجية وأبّان التحرير لنعيد تكريس إحتلالات داخلية أسوأ بكثير من الإحتلال نفسه .
لقد فرضت الطبقة السياسية من جماعتيّ 8 و14 آذار واقعاً لبنانيّاً شبيهاً بواقع الحروب التي مرّ بها اللبنانيّون ، ولكن بطريقة أسوأ بكثير ممّ كانت زمن البنادق المأجورة وهي إستدعت المزيد من خيارات العنف والتهميش للوطن وللدولة وللوحدة التي بيعت بثمن بخس لمشتر غير مهتم أصلاً بشيء إسمه لبنان .
لم تكن ثورة الأرز الضخمة والإستثنائية بتاريخ لبنان أكثر من شعار مرحلة تمّ استهلاكه وتوظيفه لصالح شبكات سياسية هشّة مُقامرة بالبلد إلى حدّ البيع الرخيص والمجانيّ ، كما أنّ جماعة الممانعة والمقاومة لبوا نداء ثورة الأرز بأضعاف فرص قيام دولة إن لم نقول إنهائها وباتت دمشق وصنعاء وبغداد وعواصم عربية أخرى أهم بكثير بالنسبة إليها من بيروت .
يبدو أن الحدود اللبنانيّة السورية صورة واضحة عن هشاشة السلطة بمعنى آخر أنّ الدولة عاجزة عن حماية نفسها لا من النصرة السورية فقط أو من داعش العالمية بل من المتحكمين بها ، من الذين جعلوها مجرد دكان لبيع بضائعهم المستوردة لصالح جهات عربية وإقليمية .
من هنا لم تعد لغة الإنتصارات تُطرب بالقدر الذي تبكي ما تبقى في عيون الوطن من دموع وطنيّة