رمضان شهر الخير والبركة والرحمة ، غير أنه اصبح عبئاً على إبن الشمال الذي بالكاد قادر على تأمين قوته اليومي ، فالتجار يعتبرون هذا الشهر "موسم" ، ويجيدون استغلاله بكل ما أتيح لهم في غياب رقابة الدولة والوزارات .
إرتفاع الأسعار بدأ في طرابلس ومنحاه التصاعدي يسري على قدمٍ وساق ، فالتجار يعتمدون رفع الأسعار على وتيرة "كل يوم منغلي شوي" ، ومن باب "استهبال المواطن" ، فلا يشعر بالغلاء الفادح عند بداية رمضان والذي يصل إلى تضاعف الأسعار .
في طرابلس "المرتاح" لا يأبه ، فهو إما من أصحاب الأملاك أو من التجار ، وبالتالي يستفيد إذاً ، بهذه الموجة ، ولكن الذي يتحول رمضانه إلى نقمة هو الفقير ، "فخبزة وزيتونة" لا تكفي في هذا الشهر ، وإن كان هو يقتنع بها فأطفاله لن يقتنعوا ، فمع رحمة الشهر ولا رحمة التجار والدولة ، يعبر رمضان بألم وغص على "المعتر" .
أحمد ، يحسب له حساباَ ، فيقول ، أن المصروف في هذا الشهر يتضاعف ، فلا يكفي مأكل بسيط ولا مشرب ، وإنما عليك ان ترضي كافة العائلة فالكل صائم ، لذلك ولضرورة التنويع وبسبب الغلاء هو "يسمسر" من معاشه قبلاً تحضيراً لهذا الشهر !
فادية تقول ، "الشهر رحمة ، صحيح في كتير غلا ، بس ما بتحضر الله بيبعت البركة برمضان "
من ناحية أخرى ، وإلى جانب الغلاء ، نرى نوعاً من التغالي في الدين في رمضان ، هذا التغالي الذي لا يتعدى الأسبوع الأول منه ، أو نصفه كحد أقصى .
أمّا من تصبّر وتمسك بالدين طيلة الشهر ، فبعد صلاة العيد يخلع عنه ثوب التدين .
بالطبع ، نحن مع أن يكون هذا الشهر ، شهر الهداية والإلتزام ، ولكن لسنا مع أن يصبح الدين موجة رمضانية آنية ومؤقتة ، ففي الشمال ، تزداد نسبة المحجبات كل عام في رمضان ، إلا أنه حجاب ينتهي مفعوله عند نهاية هذا الشهر ، فضلاً عن المساجد التي تزدحم يومياً بالمصلين في الأسبوع الأول منه ، لتصبح شبه فارغة بعدها ، بإستثناء صلاة الجمعة ، ومن ثم يعود ملسمو الشهر للإقبال على الصلاة بشكل ملفت في الأسبوع الأخير أي أسبوع ليلة القدر ، لتكن الزحمة الإيمانية الخاتمة عند صلاة صباح العيد .
هذا ناهيك عن التباري الملفت في الختم القرآنية ، ولا أبالغ إن قلت 80% من المتبارين لا يفتحون المصحف إلا خلال هذا الشهر !
هذا التغالي بالدين يتحوّل في عديد من الأحيان إلى "الرياء" ممّ يفقد الأمر جوهره ويفقد العمل قيمته ، فتصبح الغاية نيل إعجاب الناس والمجتمع من حالة التدين في شهر رمضان ، وليس العبادة !
فأمل (مسلمة وليست محجبة) ، غير أنها تتحضر لإرتداء الحجاب في اليوم الأول من رمضان ، وعند سؤالها عن السبب ولماذا لا تتحجب منذ اليوم ، تقول : "بدي بلش رمضان من أوله ملتزمة " .
سارة ، ارتدت الحجاب في السنة الماضية ، ولكن عند منتصف الشهر خلعته ، وعند سؤالها : هل سترتدينه هذا العام تقول : "حابة اتحجب برمضان بس خايفة ما أثبت " ،
وهنا خطر لي أن أسألها عن الصلاة ، فقلت لها : هل تصلين ؟
لتجيب " بقطش ، بس برمضان بدي التزم وبدي اقرا قرآن كمان " .
هذا الربط بين رمضان والتدين ، لسنا بخلاف معه ، فرمضان شهر المغفرة ، وخير للمسلمين أن يغتسلوا من الذنوب به ، ولكن أن يصبح التدين محصوراً في أيام الشهر فقط ، هذا ما لا نفهمه ، لأنه بمثابة استخفاف بدين قد اعتمد لمدة ثلاثين يوماً لا غير .
أما عن الكهرباء ، فحدث ولا حرج ، الصيف أتى والأزمة بدأت ، لتصبح ساعات التغذية أقل وليبدأ التقنين بعد منتصف الليل ، ومع إقتراب شهر الصيام والسحور والحاجة للتغذية ، سيكون أمام أصحاب المولدات فرصة لإستغلال المواطن الذي أكثر من يحتاج إليه أثناء الصوم والحرارة المرتفعة هو "التيار الكهربائي" ....
فهل ستشعر الدولة بمواطنيها هذا العام وتمنحهم تغذية كهربائية في شهر رمضان تمنع عنهم بلطجة الاشتراكات ، أم ستتركهم كما في العام الماضي تحت رحمة من لا يرحمون ؟!