فيما بدا أنّ التعطيل يشقّ طريقَه بقوّة إلى الحكومة، ارتفعَ منسوب الخوف من أن يزحف الشلل إلى الوزارات رويداً رويداً، وخصوصاً الوزارات الخدماتية، ما يهدّد شؤونَ المواطنين الحياتية والخدماتية ويعلّق دورةَ الحياة الطبيعية.

وما عزّزَ هذا الانطباع، غياب الاتّصالات السياسية بين الأطراف المعنية، وتمسّك كلّ طرَف بموقفه، وسط معلومات لـ»الجمهورية» عن تصميم «التيار الوطني الحر» للذهاب في معركة التعيينات حتى النهاية، وهو ما سيتظهَّر اليوم في مواقف رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون أمام وفود «التيار» التي ستَؤمّ الرابية من قضاء بعبدا، ما أوحى بأنّ الافق مسدود وأن لا حلّ أقلُّه في القريب، على رغم تصاعد التحذيرات من أيّ خطوة يمكن أن تؤدّي إلى شَلّ العمل الحكومي نهائياً بما يؤدّي إلى ضمّ مجلس الوزراء إلى لائحة المؤسسات المشلولة، على غرار توقّف العمل التشريعي في مجلس النواب إلحاقاً بالشغور القائم في قصر بعبدا.

اللقاء التشاوري

وفي هذه الأجواء، جاء اللقاء الوزاري التشاوري أمس في منزل الوزير بطرس حرب بحضور الرئيسَين أمين الجميّل وميشال سليمان والوزراء: سمير مقبل، ميشال فرعون، رمزي جريج، سجعان القزي، أليس شبطيني وآلان حكيم والوزير السابق خليل الهراوي، ليقولَ كلمةً واحدة واضحة في كلّ التطوّرات، ولا سيّما ما تشهده جلسات مجلس الوزراء من مستجدّات يمكن أن تؤدي الى تعطيل عمل الحكومة ما لم تبتّ التعيينات العسكرية والأمنية.

وقالت مصادر وزارية شاركَت في اللقاء لـ«الجمهورية» إنّ الوزراء السَبعة الذين شاركوا في اللقاء بغياب زميلِهم الثامن الوزير عبد المطلب حنّاوي الموجود خارج لبنان، وهو الذي فوّضَ زملاءَه التقريرَ باسمِه مؤكّداً موافقتَه المسبَقة على ما يقرّرون، اتّفقوا أمس على السعي إلى رفض أيّ توَجّه يؤدّي إلى شَلّ العمل الحكومي، والوقوف موقفاً واحداً من كلّ ما سيُطرح على مجلس الوزراء، وسيَنقلون هذا القرار إلى رئيس الحكومة تمّام سلام مرفَقاً برفضِهم محاولات البعض فرضَ رأيه على باقي الوزراء. وكان حرب أعلنَ أنّه «إذا غابَ وزراء «التيار الوطني الحر» أو «حزب الله» عن جلسات مجلس الوزراء فلن يكونَ هناك مسٌّ بالميثاقية».

نصر الله

ولم يتناوَل الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله في كلمته أمس كثيراً الشأنَ الحكومي، مكتفياً بالتمنّي على القوى السياسية في الحكومة أن تأخذَ الأمور بالجدّية المطلوبة»، معتبراً أنّ هناك استحقاقات على الحكومة أن تقومَ بها.

وأفردَ نصر الله حيّزاً واسعاً من كلمته لملفّ عرسال، فأكّد أنّه «لم نكن نفكّر ولم نكن نخطّط ولم يقُل أحد منّا، مِن «حزب الله» بالتحديد، إنّنا نريد أن ندخلَ إلى بلدة عرسال، بل كنّا دائماً نقول إنّ هذه البلدة محتلة من قبَل الجماعات التكفيرية وإنّ مسؤولية تحرير البلدة وإنقاذها وأهلَها هي مسؤولية الدولة، ومسؤولية الجيش اللبناني.

وشَدّد على أنّ مسؤولية تحرير البلدة تقع على الدولة والجيش. وإذ أشارَ إلى أنّ موقف الحكومة بالأمس كان واضحاً بشأن عرسال، رأى أنّها «معنيّة بأن توفّر للجيش كلَّ سُبل النجاح لحماية البلدة».

وأعلنَ أنّ معركة جرود عرسال انطلقت، وستتواصل حتى تحقيق الاهداف، «ولسنا ملزَمين بسقف زمنيّ، فهذا الأمر يحدّده القادة الميدانيون لأنّنا معنيون بإنجاز الهدف بأقلّ أضرار ممكنة». وتعليقاً على ما أثيرَ أخيراً عن تشكيل ألوية في بعلبك والهرمل، قال: «لسنا بحاجة إلى مقاتلين، بل إلى الدعم المعنوي والشعبي من الفعاليات في بعلبك والهرمل».

وردّ نصر الله على تهديدات إسرائيل وقال إنّها تَعلم أنّه إذا اعتدَت فسيتمّ الردّ عليها، مؤكّداً أنّ الزمن الذي تدمّر فيه إسرائيل بيوتَنا وتبقى بيوتُها انتهى، وهدّدَ بأنّ ملايين الإسرائيليين سيتمّ تهجيرهم في الحرب المقبلة إذا فرِضَت على لبنان.

جعجع

في هذا الوقت، أكّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «أنّ الإمعان في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لم تعُد تداعياته محصورة بموقع الرئاسة فحسب، وإنّما بات يرخي بظلالِه فراغاً وشَللاً على المواقع الدستورية والأمنية، الواحدَ تِلوَ الآخر، وهو ما ينسف ادّعاءات البعض بأنّ الفراغ الرئاسي سببُه خلافٌ مسيحي-مسيحي، ويُثير شكوكاً حول الغاية النهائية التي يسعى إليها القائمون بالتعطيل، بمعزلٍ عن بعض أوراق التوت التي يحاولون التلَطّي خلفَها»، متسائلاً: «كيف نُصدّق بأنّ بعضهم يُدافع عن لبنان في القلمون وباقي سوريا، وفي العراق واليمن، وهو يعطّل لبنانَ في قصر بعبدا، قلب لبنان بالذات؟ كيف نُصدّق أنّهم يريدون رئيساً قويّاً، وهم لم يتحمّلوا رئيساً توافقيّاً بامتياز؟ لكم تعطيلُكم وفراغُكم، ولنا إيمانُنا بجمهوريتنا القوية وحلمِنا بلبنان السيّد الحر والمستقل، والذي من أجلِ تحقيقه سنبذل الغالي والرخيص.»

جيرو

إلى ذلك، أنهى الموفد الرئاسي الفرنسي جان فرانسوا جيرو مهمّته في بيروت وغادرَ عصر أمس عائداً إلى العاصمة الفرنسية، بعد زيارة استمرّت ثلاثة أيام، التقى خلالها رئيسَ مجلس النواب نبيه برّي والرئيس سلام ووزيرَ الخارجية والمغتربين جبران باسيل وفاعليات سياسية، وبحثَ معَهم في الوضع في لبنان والمنطقة.

وكشفَت مراجع سياسية لـ«الجمهورية» أنّ أهداف زيارة جيرو ومراميَها لم تكن متّصلة بالملف اللبناني الموضوع في عهدتِه، بل من أجلِ جمعِ سفَراء فرنسا بالمنطقة في بيروت لتقويم التطوّرات ومواقف هذه الدوَل وما يمكن أن تقدِم عليه باريس من مبادرات في شأن الملفات الساخنة ولا سيّما المواجهة الدولية مع «داعش في العراق» وسوريا.

وتحدّثت المراجع لـ«الجمهورية» عن لقاء بقيَ طيَّ الكتمان عقِد في مقر السفارة الفرنسية في بيروت بين جيرو ووفدٍ رفيع المستوى من «حزب الله» سبقَ العشاءَ الجامعَ الذي دعا إليه السفير الفرنسي باتريس باولي في قصر الصنوبر بحضور ممثلين عن الأحزاب اللبنانية كافّة وعدد كبير من المسؤولين والسفراء الأجانب ومِن بينهم سفراء فرنسا في المنطقة.

بقرادونيان

وفي المواقف، قال النائب أغوب بقرادونيان لـ»الجمهورية»: «الوضع صعبٌ لكنّ المطلوب يقظة من الجميع لعبور هذه المرحلة الصعبة بأقلّ قدر من الخسائر وبأعلى مستوى من الجهوزية على مكافحة الإرهاب والأخطار على لبنان».

وعن لقاء عون ـ جعجع، قال بقرادونيان: «أيَّدنا ولا نزال أيَّ حوار وتقارُب بين أيّ طرَف وطرَف آخر، فذلك يساعد على تخطّي المشاكل، وطبعاً إنّ لقاءَ الرجلين هو الخطوة الأولى لفتح مجالات جديدة للتقارب ولحوارات مستمرّة، ولا يساعد المسيحيين فحسب وإنّما جميع اللبنانيين».

أبي نصر

وأعلنَ النائب نعمة الله ابي نصر لـ«الجمهورية» أنّه يؤيّد زيارة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى دمشق، فالراعي يتفقّد رعيته أينما تكون وفي كلّ حين، وبغَضّ النظر عن أيّ اعتبار سياسي آخر. أمّا أن تُفسّر الزيارة سياسياً فهذا شأنُهم، ولكن سيكون لها ثقلٌ معنويّ وسياسي، حتى ولو لم يجتمع مع أيّ مسؤول سوريّ.

وقال إنّه تلقّى كسائر المسيحيين واللبنانيين المخلِصين لوطنهم وبارتياح كبير نبَأ زيارة الدكتور جعجع إلى عون واعترافهما بمجموعة مسَلّمات ومبادئ لحفظ لبنان وحماية الوجود المسيحي فيه والتمسّك بالدولة القائمة على ميثاق عيش مشترك ومتوازن.

وتوقّفَ عند ما يتضمّنه «إعلان النيّات» من مطالبة صريحة بحقّ المغتربين اللبنانيين في استعادة جنسيتِهم، «وهذا مطلب ناضلتُ من أجلِه منذ أكثر من 40 عاماً، وهو ركيزةٌ أساسية في عمَلي السياسي والوطني».

وذكر أنّ الطرفَين التقيا على مبادئ يُجمع عليها اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً، وكلّ الذين عانوا من الغبنِ والتهميش يؤمنون بها: كقانون تمَلّك الأجانب وقانون استعادة الجنسية الذي عملتُ عليه جاهداً منذ سنين طويلة، وهو الاقتراح الوحيد الذي وافقَت عليه لجنة الإدارة والعدل، وحقوق المغتربين في الاقتراع والترشّح، وتمثيلهم في مجلس النواب، وكنتُ قدّمت اقتراحاً لإشراكهم في الانتخابات وتمثيلهم في مجلس النواب من خلال 12 نائباً ينتخبون من بينهم ومن قبلِهم ويمثلونهم في المجلس ويوزّعون مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين.

أمّا السيادة والاستقلال والحرّية، فالأحزاب التي تؤمن بلبنان تؤمن بـ«إعلان النيّات» ويبقى الأساس رئاسة الجمهورية، ويمكن أن يشكّل اللقاء خطوةً أولى جدّية نحو الرئاسة، ونتمنّى أن يواصلا تقاربَهما ويتّفقا على أن يكون أحدهما مرشّحاً، أو يتّفقا على مرشّح آخر، المهم أن يتّفقا على الرئيس وينزلا إلى مجلس النواب لننتخبه».