نفَكّ الارتباط بين ملفَّي عرسال والتعيينات الأمنية والعسكرية باتّخاذ مجلس الوزراء أمس قراراً بالإجماع حول عرسال وجرودِها، لكنّ المجلس ظلّ أسيرَ الملفّ الأصعب «بيت القصيد» أي ملف التعيينات، وبدأت الأمور تتّضح أكثر ولم يعُد للتكهّن مكان، قالها باسيل في بداية الجلسة للمجتمعين: «نحن لن نسمحَ بمناقشة أيّ بَند من بنود جداول الأعمال قبل حلّ ملفّي عرسال والتعيينات»، وهذا ما حصَل بالفعل.
السفير :
إذا كانت نتيجة «تروّي» رئيس مجلس النواب نبيه بري ميثاقياً، الشلل الدائم لمجلس النواب، فإن النتيجة الطبيعية لانتقال عدوى «التريّث الميثاقي» إلى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، هي شلل الحكومة، واعتبارها حكومة تصريف أعمال منذ انتهاء جلسة الأمس وحتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
واللافت للانتباه في الأمر أن مَن يدفع في هذا الاتجاه حكومياً، وحتى نيابياً، يستظل بتعمّد إحراج أقرب حلفائه سياسياً، فيما هذا الحليف لا يملك ترف الالتفات إلى الوراء ولا إلى فتح جبهات داخلية جديدة، خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب الخطر بشكل متوازٍ، سواء عبر الحدود الشرقية مع سوريا من جهة أو عبر الحدود الجنوبية مع فلســطين المحتلة من جهة ثانية.
هذا الاستشعار المزدوج للمخاطر، وفي الوقت نفسه، تأكيد الالتزام المتجدد بأهمية الحفاظ على معادلة الاستقرار اللبناني، من المرجّح أن يتوقف عندها، اليوم، الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، في خطاب متلفز يلقيه عند الساعة الرابعة وخمس وأربعين دقيقة عصراً، في احتفال كشافة المهدي، كما يتناول فيها عدداً من الملفات السياسية المحلية والإقليمية.
في هذه الأثناء، تمكّن «حزب الله» من تحقيق إنجازات ميدانية جديدة في معركته المفتوحة مع «جبهة النصرة» في جرود عرسال، وأبرزها السيطرة على وادي ومعبر الدرب جنوب غرب جرود عرسال والذي كان يُعتَبَر أحد أبرز معابر تهريب السيارات والأحزمة الناسفة باتجاه بلدة اللبوة في البقاع الشمالي.
وقد تمكّن «حزب الله» من إحكام قبضته على «حاجز الرهوة» التابع لـ«النصرة» أيضاً، الأمر الذي جعل سهل الرهوة كله في مرمى نيرانه، ما أدّى إلى انسحاب المسلحين منه.
وبدا واضحاً من خلال المجريات الميدانية في الساعات الثماني والأربعين الماضية، أن «حزب الله» يحاول إحكام قبضته على عدد من المعابر الحيوية والاستراتيجية وصولاً إلى حشر مقاتلي «النصرة» في بقعة ضيقة أو جعلهم يلتصقون عسكرياً بمقاتلي «داعش» في الناحية الأخرى.
السيطرة على سهل الرهوة
وفي التفاصيل، تمكّن «حزب الله»، أمس، من إحكام سيطرته على سهل الرهوة بعد تدمير حاجز الرهوة، وفرار المسلحين، وفق الإعلام الحربي التابع لـ «حزب الله» باتجاه وادي الخيل ووادي قطنين. ويقع وادي قطنين على حدود رأس المعرة السورية وتحديداً شمال شرق شميس الحمرا التي سيطر عليها عناصر الحزب أمس الأول، ويعتبر جزءاً من الجرد العرسالي العالي، وأكثر ارتفاعاً من وادي الخيل الذي تتمركز فيه قيادات «النصرة»، وبينها زعيمها في القلمون «أبو مالك التلي».
أتاحت السيطرة على سهل الرهوة، وهو السهل الأكبر في جرود عرسال لـ «حزب الله» ملاقاة الجيش اللبناني في نقاط تمركزه في وادي عطا أو عقبة الجرد كما يسمّيها أهل عرسال، ومعها منطقة حقاب الحيات، بعدما كانت سيطرته على وادي الرعيان ووادي صَورة بالنيران قد التقت بسيطرة الجيش أيضاً من أعالي سرج حسان ووادي سويد في جنوب غرب عرسال.
وفي موازاة احتدام المعارك في الجرود يرتفع منسوب قلق أهالي عرسال من فرار عناصر «النصرة» باتجاه بلدتهم خصوصاً أن هناك نحو عشرة معابر ما بين رسمية وترابية تصل عرسال بجردها والعكس.
النهار :
مشت الحكومة أمس على حبل مشدود فتمكنت من اجتياز مأزق عرسال وجرودها بقرار "الثقة بالجيش وقيادته" من خلال تكليفه اتخاذ الاجراءات اللازمة لإعادة سيطرته على عرسال وحمايتها، فيما ظل مأزق التعيينات الامنية والعسكرية عالقاً على رغم بت التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابرهيم بصبوص سنتين. وفي كلا الملفين بقي وزراء "التيار الوطني الحر" مغرّدين خارج السرب الحكومي فتحفظوا عن قرار عرسال الذي حظي بموافقة سائر الوزراء وهددوا بمنع مجلس الوزراء من مناقشة أو بت أي قرار آخر قبل تعيين مرشح العماد ميشال عون العميد شامل روكز قائداً جديداً للجيش في أي جلسة مقبلة لمجلس الوزراء.
وأبرزت الجلسة دلالات مهمة من حيث عدم حصول تعليق للجلسات أو شلها تماماً كما كان يخشى قبل انعقادها، الامر الذي أظهر بوضوح ان معظم القوى السياسية بما فيها "حزب الله" الذي اتسعت معركته الميدانية أمس في جرود عرسال لا ترغب فعلاً في الوصول بالمأزق الحكومي الى حدود الشلل التام مع ان موقف حليف الحزب "التيار الوطني الحر" الذي مضى في التصعيد سيعيد وضع الحزب أمام اختبار جديد في جلسة الخميس المقبل في ملف التعيينات. وما ان تم التوصل الى توافق على البيان الذي حمل تكليفاً جديداً للجيش في عرسال، حتى أصدر وزير الداخلية نهاد المشنوق في وقت لاحق قراراً وزارياً مدّد بموجبه للواء بصبوص سنتين، كما كلّف العمداء فادي الهاشم وجوزف الحلو وجوزف كلاس قيادة الدرك والقوى السيارة ومفتشية قوى الامن الداخلي. ونفت مصادر في وزارة الداخلية أن يكون مجلس الوزراء قد رفض تعيين العميد عماد عثمان في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، لكن وزراء "التيار الوطني الحر" أصرّوا على ربط الموضوع بتعيين قائد للجيش. وأوضحت أن المهم أن أحداً من الوزراء لم يرفض تعيين عثمان.
وأفادت مصادر وزارية "النهار" ان الحكومة عمدت الى تجزئة المأزق بالفصل بين ملفي عرسال والتعيينات ومع انها لم تصب أمس بالتعطيل وستعود الخميس المقبل الى الاجتماع، فإنها دخلت في آلية معقدة يتوقف معها مسارها على كل جلسة في موعدها. وأوضحت ان رئيس الوزراء تمام سلام اصر على التوافق على قرار تكليف الجيش في عرسال وجرودها وعرض مشروع بيان كان أعدّه سابقاً وعمل وزير المال علي حسن خليل على تعديله ثلاث مرات الى ان وافق عليه وزيرا "حزب الله" محمد فنيش وحسين الحاج حسن والوزراء الآخرون. لكن وزيري "التيار الوطني الحر" جبران باسيل والياس بو صعب تحفظا عنه وخصوصاً لجهة ايراد عبارة "تجديد الثقة بالجيش وبقيادته" لئلا تستعمل مسوغاً اضافياً لعدم بت التعيينات الامنية والعسكرية. كما تحفظ من جانب مختلف وزير العدل اشرف ريفي لعدم الاخذ بمطلبه أن تشمل تدابير الجيش كل منطقة البقاع الشمالي وأن يلحظ البيان تدابير الحماية من كل سلاح غير شرعي.
المستقبل :
نعم الجمهورية في خطر، بكل ما لتداعيات الخطورة من معنى هدّام لأسس الكيان بعدما نجح حلف «الشغور» بمدّ حبائله التعطيلية لخنق آخر شريان مؤسساتي حيويّ لا يزال نابضاً في هيكلية سلطات الدولة. فها هو ذلك الحلف الممتد بين حارة حريك والرابية وقد أطبق بالأمس على أمّ المؤسسات التنفيذية في البلد فارضاً عليها وعلى اللبنانيين شللاً حكومياً لا شك في أنه سيؤتي أُكله في تعطيل مصالح الناس وتكبيل أرزاقهم من خلال وقف عجلة الانتاجية على طاولة مجلس الوزراء. حلف «الشغور» ضرب مجدداً أمس مستهدفاً هذه المرّة ليّ ذراع الدولة التنفيذية وتقييدها بقيود لعبة الابتزاز والمقايضة السلطوية نفسها التي يفرضها على البلد من الشغور الرئاسي إلى التعطيل التشريعي وصولاً أمس إلى شلّ مجلس الوزراء بغية إخضاعه إلى مطالب استئثارية في ملف التعيينات العسكرية والأمنية في مقابل القبول بالإفراج عن مصالح الدولة وبنيها حتى ولو اضطر الأمر إلى تدفيع البلد «كلفة عالية جداً» كما توعّد الوزير جبران باسيل مساءً اللبنانيين من منبر الرابية، بعد أن كان وزراء تكتل «التغيير والإصلاح» قد منعوا صباحاً الحكومة بالتواطؤ مع وزيري «حزب الله» من تمرير اعتماد مالي حياتي يمس لقمة عيش معظم المواطنين مخصص لدفع فروقات النقل البحري عن البري دعماً للصادرات الزراعية والصناعية العالقة بسبب إقفال المعابر السورية، وهو ما علّق عليه وزير الزراعة أكرم شهيّب بالقول: «مع الأسف البعض إختار الموقع على مصلحة اللبنانيين».
الديار :
دخلت الحكومة مرحلة «الشلل القسري» بعد قرار وزراء حزب الله والتيار الوطني الحرّ رفضهم البحث باي شأن واي برنامج عمل قبل البت بملف التعيينات ومن ضمن سلة متكاملة وسيحضر وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر جلسة الخميس المقبلة تحت هذا العنوان وسيرفضون مناقشة اي ملف، رغم محاولات النائب وليد جنبلاط وبدعم من الرئيس بري تمرير دفع فروقات النقل البحري عن النقل البري والبالغة 21 مليون دولار لتصدير المزروعات بعد اقفال المعابر البحرية، وقد تم رفض القرار، وهذا ما دفع جنبلاط الى القول عبر تغريدة على «تويتر» ان بعض الاقطاب قرروا ادخال الحكومة في شلل رغم ضرورة اقرار بعض البنود وانه لن يطرح اي مبادرة جديدة، وبالتالي دخلت الحكومة بحالة من الشلل بعد الشلل في المجلس النيابي والفراغ الرئاسي.
وقد اعلن وزير الخارجية جبران باسيل من الرابية «اننا نرفض بشكل قاطع ونهائي اي قرار يصدر في مجلس الوزراء ولن نسمح باقراره قبل حل مسألة التعيينات الامنية، معتبرا ان الفراغ لا يمنعنا من تعيين قائد للجيش. نحن نستند الى الدستور والصلاحيات ونحن نمثل رئيس الجمهورية في الحكومة ونمثل نصف البلد، وعلم ان الرئيس نبيه بري تلقى اتصالا مساء امس من الرئيس تمام سلام تشاورا خلاله في المستجدات على ضوء نتائج جلسة الحكومة.
ونقل زوار الرئيس بري عنه رداً على سؤال «حول الدخول في الشلل الحكومي وكم سيستمر هذا الشلل، قال هذا يتوقف على المعالجة والرئيس سلام حتى الآن «يتروى» تماماً كما ترويت كثيراً مع تعطيل مجلس النواب.
هذا مع العلم وحسب مصادر واسعة الاطلاع لمرجع بارز، ان المشهد لن يتغير فالحكومة في الاساس كانت غير منتجة والامر الاضافي الذي سيصيبها «الشلل» كما ان الحكومة بالاساس لم تستطع فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي وستتحول الى تصريف اعمال.
لكن السؤال المطروح، هل يبقى الرئيس تمام سلام مقيداً نفسه بتوقيع الـ 24 وزيراً، وهل تنتفي ميثاقيتها اذا خرج منها العونيون، وهل سيعاد طرح توقيع الوزراء بالثلثين، هذا السؤال برسم رئيس الحكومة تمام سلام، وكيف سيتصرف بعد قيامه بالاتصالات اللازمة.
واللافت ان وزير الداخلية نهاد المشنوق اصدر بعد جلسة مجلس الوزراء مباشرة مذكرة قضت بالتمديد لمدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص لمدة سنتين.
وحسب مصادر وزارية، فان مجلس الوزراء وصل الى صيغة متوازنة في ملف عرسال وتعرضت لانتقادات من قوى 8 و14 آذار لغموضها، وقد استند القرار حول عرسال الذي عارضه وزيري التيار الوطني الحر الى بيان الرئيس تمام سلام الذي طرح في الجلسة الماضية مع تعديلات في الصياغة التي تولاها الوزير علي حسن خليل، وخضعت الصياغة الى 3 تعديلات، الى ان رست الصيغة النهائية بتكليف الجيش اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتحرير جرود عرسال وابعاد خطر المسلحين الارهابيين عنها.
البلد :
لم يكد مجلس الوزراء يتجاوز ملف التعيينات الامنية بعد عدم الاتفاق على صيغة لبتها رغم انه كلف الجيش إتخاذ ما يراه مناسباً في ملف عرسال، حتى خرج وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بمذكرة مدد فيها للواء ابراهيم بصبوص لعامين.
وبعد قرار المشنوق خرج وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بمؤتمر صحافي قال فيه :"موضوع عرسال فيه خلاف كبير والوضع هناك غير سليم"، معتبرا ان "جرود عرسال في حاجة الى قرار عسكري ولكن البلدة في حاجة الى قرار سياسي"، لافتا الى ان "الحكومة كلفت الجيش بتحرير عرسال ونحن بإنتظار النتائج من وزير الدفاع سمير مقبل".
وعن التعيينات الامنية قال :"اننا نرفض بشكل قاطع ونهائي أي قرار يصدر في مجلس الوزراء ولن نسمح بإقراره قبل حلّ مسألة التعيينات الأمنية"، معتبرا ان "الفراغ لا يمنعنا من تعيين قائد للجيش"، موضحا "اننا نستند على الدستور والصلاحيات ونحن نمثل رئيس الجمهورية في الحكومة"، مشيرا الى ان "كل ما نطلبه ان نحصر النقاش في مجلس الوزراء واي صدام يحصل داخل المجلس سيحمل تداعياته خارجه"، معتبرا ان "الاصرار على الاستخفاف بالقوانين لن يمر من دون كلفة عالية جدا في البلد".
البلد :
الحكومة باتت فعلياً خارج الخدمة... طالما لم يدرج بند التعيينات الأمنية والعسكرية في جدول الأعمال ويُبتّ، من دون أن يعني ذلك اعتكافاً أو استقالة أو تحوّل مجلس الوزراء الى تصريف الأعمال «في الوقت الراهن»، على ما تشدد مصادر في التيار الوطني الحر. وتقول مصادر لـ»الأخبار» إن «مشاركتنا في الحكومة نابعة من حرصنا على الاستقرار. أما إذا كانت الحكومة نفسها غير حريصة على هذا الاستقرار عبر تجاوزنا، فهذا يعني أن أحداً لا يضمن عدم انتقال الخلاف الى خارج الحكومة».
وأكدت أن «لا مجلس وزراء يعقد صحيحاً في ظل تجاوز مطلب أربعة مكوّنات وازنة في الحكومة»، لافتة الى «أن الاتفاق منذ تأليف الحكومة كان على التوافق بين مكوّناتها، وحتى عندما اعتكف رئيسها احتجاجاً على شرط موافقة الـ 24 وزيراً على قراراتها، اتفقنا يومها على عدم ضرورة ذلك في المسائل العادية، وليس في المسائل الجوهرية التي تنشئ مواقع في الدولة». واعتبرت أن إقدام الوزير نهاد المشنوق على تأجيل تسريح المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص لسنتين «قدّم الدليل القاطع على صحة تشخيصنا حول استهدافنا وحصارنا وإقصائنا عن مواقعنا»، مشيرة الى أن المشنوق لم يلجأ الى التعيين أو إلى خيار تولي الضابط الأعلى رتبة منصب بصبوص «حتى لا تكون سابقة ويضطروا الى تعيين قائد جديد للجيش في أيلول المقبل، وهذا لا يبشّر بالخير ويشير الى أن وراء الأكمة ما وراءها».