مشت الحكومة أمس على حبل مشدود فتمكنت من اجتياز مأزق عرسال وجرودها بقرار "الثقة بالجيش وقيادته" من خلال تكليفه اتخاذ الاجراءات اللازمة لإعادة سيطرته على عرسال وحمايتها، فيما ظل مأزق التعيينات الامنية والعسكرية عالقاً على رغم بت التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابرهيم بصبوص سنتين. وفي كلا الملفين بقي وزراء "التيار الوطني الحر" مغرّدين خارج السرب الحكومي فتحفظوا عن قرار عرسال الذي حظي بموافقة سائر الوزراء وهددوا بمنع مجلس الوزراء من مناقشة أو بت أي قرار آخر قبل تعيين مرشح العماد ميشال عون العميد شامل روكز قائداً جديداً للجيش في أي جلسة مقبلة لمجلس الوزراء.
وأبرزت الجلسة دلالات مهمة من حيث عدم حصول تعليق للجلسات أو شلها تماماً كما كان يخشى قبل انعقادها، الامر الذي أظهر بوضوح ان معظم القوى السياسية بما فيها "حزب الله" الذي اتسعت معركته الميدانية أمس في جرود عرسال لا ترغب فعلاً في الوصول بالمأزق الحكومي الى حدود الشلل التام مع ان موقف حليف الحزب "التيار الوطني الحر" الذي مضى في التصعيد سيعيد وضع الحزب أمام اختبار جديد في جلسة الخميس المقبل في ملف التعيينات. وما ان تم التوصل الى توافق على البيان الذي حمل تكليفاً جديداً للجيش في عرسال، حتى أصدر وزير الداخلية نهاد المشنوق في وقت لاحق قراراً وزارياً مدّد بموجبه للواء بصبوص سنتين، كما كلّف العمداء فادي الهاشم وجوزف الحلو وجوزف كلاس قيادة الدرك والقوى السيارة ومفتشية قوى الامن الداخلي. ونفت مصادر في وزارة الداخلية أن يكون مجلس الوزراء قد رفض تعيين العميد عماد عثمان في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، لكن وزراء "التيار الوطني الحر" أصرّوا على ربط الموضوع بتعيين قائد للجيش. وأوضحت أن المهم أن أحداً من الوزراء لم يرفض تعيين عثمان.
وأفادت مصادر وزارية "النهار" ان الحكومة عمدت الى تجزئة المأزق بالفصل بين ملفي عرسال والتعيينات ومع انها لم تصب أمس بالتعطيل وستعود الخميس المقبل الى الاجتماع، فإنها دخلت في آلية معقدة يتوقف معها مسارها على كل جلسة في موعدها. وأوضحت ان رئيس الوزراء تمام سلام اصر على التوافق على قرار تكليف الجيش في عرسال وجرودها وعرض مشروع بيان كان أعدّه سابقاً وعمل وزير المال علي حسن خليل على تعديله ثلاث مرات الى ان وافق عليه وزيرا "حزب الله" محمد فنيش وحسين الحاج حسن والوزراء الآخرون. لكن وزيري "التيار الوطني الحر" جبران باسيل والياس بو صعب تحفظا عنه وخصوصاً لجهة ايراد عبارة "تجديد الثقة بالجيش وبقيادته" لئلا تستعمل مسوغاً اضافياً لعدم بت التعيينات الامنية والعسكرية. كما تحفظ من جانب مختلف وزير العدل اشرف ريفي لعدم الاخذ بمطلبه أن تشمل تدابير الجيش كل منطقة البقاع الشمالي وأن يلحظ البيان تدابير الحماية من كل سلاح غير شرعي.

تغريدة جنبلاط
وغادر وزيرا الحزب التقدمي الاشتراكي وائل أبو فاعور واكرم شهيب الجلسة بعدما رفض وزيرا "التيار الوطني الحر" مناقشة أي بند غير التعيينات بما في ذلك مستحقات المستشفيات الحكومية والخاصة وتكاليف دعم الشحن البحري، فتوجه أبو فاعور الى عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري محذراً من بدء مرحلة الشلل الحكومي. أما شهيب، فشن حملة على "من يعطل شؤون الناس ومطالبهم من اجل منصب على طريقة عنزة ولو طارت"، محذراً من ضرب القطاع الزراعي والتصدير.
وسبق هذان الموقفان "اطلالة" مبكرة لرئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط على المشهد الحكومي اذ غرد قبيل انعقاد الجلسة على "تويتر" منتقدا اتجاه "بعض الاقطاب السياسيين الى الدخول في مرحلة الشلل الجزئي فيما النار تحيط بنا من كل حدب وصوب وليس في الافق أي ملامح لانتخاب رئيس للجمهورية". واعلن انه لن يقوم بأي مبادرة "واكتفي بالقول يا امة ضحكت من جهلها الامم ويا ساسة ضحك من عبثكم العالم".
واسترعى الانتباه في صيغة قرار مجلس الوزراء عن عرسال تكليف مجلس الوزراء الجيش "اجراء التقويم الامثل للوضع الميداني واتخاذ القرارات والاجراءات المناسبة لمعالجة أي وضع داخل البلدة ومحيطها"، كما شدد على "عدم وجود قيود من أي نوع أمام الخطوات التي قد يتخذها الجيش لتحرير جرود عرسال وإبعاد خطر المسلحين عنها".
وصرح الوزير باسيل مساء من الرابية: "اننا نرفض بشكل قاطع ونهائي أي قرار يصدر عن مجلس الوزراء ولن نسمح باقراره قبل حل مسألة التعيينات الامنية". وفهم ان هذا الموقف نقل رسمياً الى الرئيس سلام.
وأجرى سلام مساء اتصالاً بالرئيس بري اطلعه خلاله على نتائج جلسة مجلس الوزراء وكذلك على نتائج زيارته للمملكة العربية السعودية. وسئل بري عن الوضع الحكومي، فأجاب انه "يتوقف على المعالجة والرئيس سلام يتروى كما ترويت انا كثيرا عندما تعطل البرلمان".

 

معركة الجرود
في غضون ذلك، تصاعدت حدة المواجهات الميدانية بين مقاتلي "حزب الله" والتنظيمات المسلحة في جرود عرسال، فيما سجل قصف براجمات الصواريخ التابعة للجيش اللبناني لبعض مواقع المسلحين في جرود رأس بعلبك قبل الظهر وبعده.
وأفاد مراسل "النهار" في بعلبك أن مقاتلي الحزب تمكنوا من تحقيق أهداف بسيطرته على بعض التلال التي تقع على اطراف جرود عرسال من أكثر من جهة وعمل مقاتلوه على تحصينها لصد أي محاولة من المسلحين لاستردادها، علماً أن المؤشرات الميدانية تدل على ان المعركة لا تزال في بداياتها ويتوقع ان تشتد في الساعات المقبلة وخصوصاً في منطقة وادي الخيل. وبات الحزب يسيطر بالنار على وادي الدرب ووادي قطنين والخيل والرهوة. وعلم ان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله سيخصص القسم الاكبر من كلمة يلقيها بعد ظهر اليوم للحديث عن معركة جرود عرسال والقرار الحكومي المتعلق بعرسال وجرودها.