لم تُثر زيارة سمير جعجع لميشال عون ارتياح ناشطين مسلمين على طرفي الانقسام.
مؤيّدو عون الشيعة هم معه في مواجهة جعجع وفي مواجهة تيار "المستقبل"، ومؤيّدو جعجع السنّة هم معه في مواجهة عون وفي مواجهة "حزب الله".
الزيارة تمت خارج هذا المنطق، لا بل على عكس وجهته. وفي موازاة عدم الارتياح هذا لا بد للمرء أن يتوقع عدم ارتياح موازٍ من المستفيدين السياسيين من الانقسام المسيحي.
نبيه بري ووليد جنبلاط لا يُخاطبهما لقاء كهذا، لا بل يشعران أنه مندرج في سياق المساعي لاستعادة موقع مسيحي لطالما استفادا من تراجعه.
في مقابل العودة إلى الطائفية الأولى، أي الطائفية بنسختها الأولى، حين كانت تشطر اللبنانيين بين مسيحيين ومسلمين، لا بين سنّة وشيعة، على المرء أن يرصد أيضاً انفعالاً إيجابياً مسيحياً بهذا اللقاء.
غلاة العونيين وغلاة القواتين غبطهم اللقاء، وإن أخفى بعضهم غبطته. فقد مثل لهم محاولة لاستعادة الدور، لا سيما أنه ترافق مع ذروة فشل المسلمين في قيادة لبنان. "حزب ألله" ألغى لبنان وألحقه بجبهة ممتدة من سوريا إلى اليمن، وسعد الحريري غادر فيما "جبهة النصرة" تستغلّ غيابه.
اللقاء بين عون وجعجع ليس تعويضاً عن هذا الفراغ الوطني الهائل الذي نجم عن تسلم مسلمين دفة القيادة وتبديدهم البلد، إنما هو لحظة أمل ضعيفة باحتمال آخر.
فالمسيحيون على رغم انشطارهم بين سنّة وشيعة، انما يجب التسليم بأن منسوب "السيادة" في وجدانهم الجماعي أعلى مما هو لدى مواطنيهم المسلمين. نعم "السيادة" بكل ما تحمله هذه العبارة من ابتذال. هي البديهة الساذجة، ولكن التي لا تستقيم البلدان من دونها.
وفي لبنان أضاع القادة البديهيات، ولم يعد مذهلاً أن تُستدعى العشائر للمواجهات وأن تحمي كل طائفة المطلوبين للعدالة من أبنائها. هذا كله لم يفعله المسيحيون، وهذا كافٍ للرهان عليهم، خصوصاً في ظل إمعان قادة المسلمين في رجعيتهم وارتهانهم.
من السذاجة الإنقياد وراء حماسة بلقاء من المرجح أن لا يُثمر نجاة أو رئيساً، ولكن الزيارة يمكن أن تؤسس لشيء من خارج ما هو متاح اليوم. وليس هذا تعويلاً على حكمة الرجلين، ذاك أن التجربة لم تبق لنا ما نعول عليه في مسيرة علاقتهما، لكن انتاج "حيوية" ثالثة في بلد تشتغل حيويتيه الراهنتين السنية والشيعية على نحو قاتل، هو حاجة من دون شك.
القول إن المسيحيين أضعف من أن يقودوا قارب النجاة، في ظل هذا الزلزال المذهبي الذي يضرب المنطقة كلها، صحيح. ولكن إعادة الاعتبار لبعض قيم الجمهورية الأولى (جمهورية المسيحيين) والتي بُددت في زمن الجمهورية الثانية (جمهورية المسلمين)، قد تساعد على صمود ما تبقى من بلد.
فلنصفق لجعجع وعون... ماذا لدينا لنخسره.