أنهى العماد ميشال عون الاجتماع الأسبوعي لتكتل التغيير والإصلاح أمس بمؤتمر صحافي حضر فيه السقف السياسي المرتفع في خطابه. غادر الوزراء والنوّاب، وبقي النائب ابراهيم كنعان وحده ينتظر نصفه الحواري الآخر ملحم الرياشي. تبلّغ عون من كنعان أن لا حاجة لانتظار الضيف القوّاتي الذي سيصطحب معه هذه المرّة مسؤولين أمنيّين كان يفترض قدومهم لاستكشاف الموقع، تمهيداً لزيارة رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع في غضون أيّام. صعد عون الى غرفته ليرتاح، قبل أن يستقبل العميد شامل روكز الذي كان يفترض أن يزور الرابية مساءً.
وصل الرياشي وحيداً في سيّارته. سأله كنعان عن رجال الأمن، فأجابه بأنّهم سيصلون بعد قليل، بينما فضّل هو القدوم وحيداً.
تمشّى رفيقا درب الحوار وهما يستعرضان بعض المسائل المتّصلة بالعلاقة بين حزبَيهما، بعد ساعات على زيارتهما، بعيداً عن الإعلام، بكركي للقاء سيّدها ووضعه في أجواء ما توصّلا إليه كنتيجة لحوار أشهر.
ما هي إلا دقائق حتى وصلت سيّارات عدّة. قال أحد الضبّاط في الرابية إنّ موكباً وصل. ابتسم الرياشي وهو ينظر الى نائب المتن، قائلاً: وصل الحكيم. لم يستوعب كنعان ما سمعه، الى أنّ أُبلغ من قبل الحرس بأنّ سمير جعجع هو فعلاً من في السيّارة. سار كنعان بخطواتٍ سريعة ولكن مرتبكة نحو الضيف المفاجئ. استقبله وصافحه، سائلاً عن سبب الزيارة الصادمة. أجاب جعجع: "قلنا لشو نجي مرتين".
ركض أحد الضبّاط سريعاً لإبلاغ العماد عون. كان المنزل فارغاً من أفراد العائلة وحتى من الموظفين، في حين غادر الإعلاميّون بعد انتهاء المؤتمر الصحافي. تولّى كنعان مهمّة الاتصال بالإعلاميّين والمصوّرين لإبلاغهم بالحدث المنتظر الذي يستحقّ وصف "التاريخي".
لم يخفِ عون، حين استقبل جعجع، مفاجأته. وقف الإثنان، ومعهما كنعان والرياشي، على شرفة المنزل. كان حوارٌ عن الماضي وعن "بعض التفاصيل العسكريّة من أيّام سوق الغرب" قبل أن ينتقل مضمون الجلسة التي استمرّت قرابة الثلاث ساعات الى الحاضر و، خصوصاً، الى المستقبل. وفي انتظار وصول المصوّرين، تنبّه النائب كنعان الى ضرورة تسجيل اللحظات التاريخيّة، عبر هاتفه الذي سلّمه الى أحد المرافقين للقيام بالمهمّة.
حضرت ورقة النيّات على طاولة المجتمعين، ثمّ حضرت القهوة التي نبّه الرياشي "الحكيم" الى أنّه قد لا يحبّها. ارتشف جعجع فنجانه، وخيّب ظنّ رئيس دائرة الإعلام والتواصل في "القوات". أحبّ جعجع قهوة الرابية، إلا أنّه لم يتسنّ له "ممالحة" مضيفه. لم يكن بالإمكان تحضير عشاء سريع للضيف، كما أنّ طلب العشاء من أحد المطاعم غير وارد لأسباب أمنيّة. اقترح كنعان، ممازحاً، أن يعدّ الرياشي التبّولة وأن يتولّى هو "قلي" البطاطا. ضحك الجميع، وضحكوا أكثر من مرّة، خصوصاً حين روى جعجع قصّة الرياشي وصحف الصباح التي يسبقه "الحكيم" الى الاطلاع عليها.
لم يبحث عون وجعجع في مسألة عقد لقاء ثانٍ في معراب، إلا أنّ مصادرهما تؤكّد أنّ هذا اللقاء "تحصيلٌ حاصل". وأنّ الرجلين قطعا، في خطوة الأمس، شكلاً ومضموناً كما في عمق بنود ورقة النيّات مسافة طويلة، عمرها سنوات وأحقاد وانقسامات ورهانات متضاربة...
وقف جعجع بالقرب من عون، وخلفهما شعار "التيّار". ربما سيقفان قريباً في معراب أمام شعار "القوّات". ورقة النيّات تأتي لتمحو صفحات سوداء دفع كثيرون ثمناً لها، دماً أو إعاقة أو هجرة أو تفكّك أُسَر. ربما سيسأل كثيرون، وهم يتأملون مشهد الرابية، عن هؤلاء كلّهم. لعلّ صورة الأمس كفيلة بالحؤول دون تكرار الأجيال المقبلة للسؤال نفسه...