لا يمكن الفصل بين الدعوة التي وجهها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لتحرير عرسال وجرودها ومخيمات النازحين السوريين فيها من مسلحي الجماعات الإرهابية ، وبين المعركة المتوقعة في العاصمة السورية دمشق للسيطرة عليها بين قوات النظام المدعومة من مقاتلي حزب الله من جهة وبين الفصائل السورية المسلحة ومن ضمنها جبهة النصرة من جهة أخرى .
والتي قد تكون أمّ المعارك لمَ لها من أهمية ، بحيث يتقرر على ضوء نتائجها مستقبل النظام السوري وإنعكاساته على دور حزب الله في لبنان .
فالسيد نصرالله الذي تدّرج في هذه الدعوة ، من حضّ الجيش على التدخل لخوض معركة عرسال وحسمها في البلدة والجرد إلى إستنهاض العائلات والعشائر في منطقة بعلبك الهرمل للقيام بهذه المهمة إذا توانى الجيش إلى حرب اليافطات التي تغذي النعرات المذهبية وصولاً إلى التهديد بلواء القلعة الذي يضم في صفوفه شباب غالبيتهم من المطلوبين والملاحقين في جرائم متنوعة ، فإنّه يعرف جيداً أن مسلحي هذه الجماعات من جبهة النصرة وغيرها لا يشكلون أيّ خطر على الداخل اللبناني ويعرف ايضاً أنّ أحداً من اللبنانيين وعلى إختلاف إنتماءاتهم السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية لا يمكن أن يتعايش مع أي خطر محتمل قد يتسبب به هؤلاء على الإستقرار والأمن في البلد .
لكن الجميع يعرف بمن فيهم السيد نصرالله أنّ تجمع هؤلاء في منطقة الجرد الحدودية والمحاذية لعرسال مع ما يمتلكونه من مخازن ومستودعات للأسلحة والذخائر إنّما يتحضرون لمعركة دمشق القادمة والتي ستكون مفصلية في الحرب الدائرة في سوريا منذ أربع سنوات دون أن يتمكن أيّ طرف من أطراف الصراع المتنازعة أن يحسم المعركة لمصلحته أو أن يحقق أي نصر يمكن أن يستثمره في السياسة أو أن يشكل له ورقة قوية يمكن أن يستخدمها في أي عملية تفاوضية .
لذا فإن السيد نصرالله يضغط على الدولة من خلال مجلس الوزراء لإتخاذ قرار بتوريط الجيش اللبناني في حروب ضد هؤلاء المسلحين خارج الحدود اللبنانية .
لكن الرد جاء سريعاً وحاسماً على لسان قائد الجيش العماد جان قهوجي عندما قال بما معناه ، أنّ الجيش على أهبة الإستعداد للدفاع عن أيّ شبر من الأراضي اللبنانية وهو يسيطر على كافة التلال المشرفة على مواقع هؤلاء الإرهابيين على الحدود ، لكنه لن يقبل بزج الجيش في أيّ حرب خارج الحدود .
والسيد نصرالله مع إدراكه للحساسية المذهبية التي يمكن أن تتركها أيّ مواجهة مباشرة بين حزب الله وأهالي بلدة عرسال بحجة ملاحقة الإرهابيين وما قد تتركه من آثار سلبية على الساحة السياسية في البلد ومن إنعكاسات خطيرة على السلم الأهلي وعلى الأمن والإستقرار فيه ، فإنه لجأ إلى إستنهاض عائلات وعشائر منطقة بعلبك الهرمل ليتلطى ورائها لخوض معركة استئصال الإرهابيين ، من خلال زرع الآلاف من اليافطات التي علقت على مدخل كل شارع وكل حي وفي كل زاروب ، في كافة مدن وقرى وبلدات المنطقة والتي تحرك الغرائز المذهبية .
لا شكّ أنّ هذه الخطوة هي واحدة من إرتجاليات حزب الله والتي لن تؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى والشحن المذهبي ولن تكون بأفضل من القرار الإرتجالي الذي إتخذه الحزب سابقاً عندما قرر الإمساك بالأمن في مربعاته الأمنية وإنتهى بحادثة مؤلمة أودت بحياة خمسة ضحايا سقطوا صرعى ومثلهم من الجرحى عدا الخسائر المادية .