ساعتان وأربعون دقيقة وخلوة لمدة عشرين دقيقة، ختمت 237 يوماً من المفاوضات السياسية بين رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، ورئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع، عبر الموفدين النائب إبراهيم كنعان ورئيس جهاز التواصل والإعلام في القوات ملحم رياشي. اجتماع فجائي أمس أنهى مرحلة أساسية من الصراع بين الرجلين، بعدما كانت المفاوضات قد أدت سابقاً إلى سحب الدعاوى بين الطرفين ووقف التراشق الإعلامي.

ولم يأت لقاء الرابية أمس، على غرار اللقاء الذي حدث قبل عشرة أعوام، بل واكبه بيان إعلان النوايا الذي صدر بعد ساعات طويلة من النقاش السياسي واللقاءات التي تنقلت بين معراب والرابية، وكادت مرات تصل إلى حدود الفشل والإحباط، إلى أن وصلت أمس إلى خواتيمها بلقاء ظهر فيه الارتياح التام على عون وجعجع، أثناء كلمتيهما أمام الصحافيين، إلى حد أن جعجع حرص في الختام على إحاطة عون بوضعه يده على كتف الأخير.
والصورة التي «طال انتظارها أعواماً» كما قال جعجع، تمت مساء أمس في الرابية، والتقطت أولاً عبر هاتف محمول، بعدما فاجأ جعجع عون بحضوره إلى الرابية، فيما كان عون يخلد إلى الراحة بعد اجتماع «تكتل التغيير والإصلاح» الأسبوعي، قبل أن يُستدعى الصحافيون والمصورون.

مجريات اللقاء

أول من أمس، زار كنعان والرياشي بكركي والتقيا البطريرك الماروني بشارة الراعي، وأطلعاه على مسار المفاوضات بين عون وجعجع، وهناك التقيا السفير البابوي غابريـال كاتشيا، الذي أثنى على المفاوضات، واصفاً ما يحصل بأنه تنسيق جيد.
وعصر أمس، كان من المقرر أن يصل إلى الرابية الوفد الأمني التابع لجعجع لاستطلاع المكان، تحضيراً لمجيء جعجع خلال مهلة لا تتعدى عشرة أيام، بعدما أنجز كنعان والرياشي مهمة التواصل وإعداد ورقة إعلان النوايا ووضع اللمسات الأخيرة على اللقاء بين الرجلين. لكن، بدلاً من الوفد الأمني، وصل الرياشي إلى الرابية، وبدأ مع كنعان «جوجلة» نهائية للمفاوضات، إلى أن وصل موكب جعجع. قال الرياشي لكنعان: «وصل الحكيم»، إلا أن الأخير اعتقد أن الرياشي يمازحه.


فوجئ عون بوصول
جعجع إلى الرابية، إذ كان مقرراً عقد اللقاء بعد 10 أيام



وصل جعجع إلى الرابية، وبدأ الاستنفار فيها، وكان جعجع يمازح الجميع ولا سيما كنعان، الذي كان قد أبلغ عون بمجيء جعجع. وصل عون وقال لجعجع: «كنت أتوقع مفاجأة، ولكن ليس إلى هذا الحد».
بدأ الاجتماع الرباعي، وتنقل المجتمعون بين الصالون والحديقة والشرفة، وتخلل الاجتماع خلوة لعشرين دقيقة، اتسمت بحسب مصادر الطرفين بإيجابية مطلقة.
تناول اللقاء مجريات المفاوضات واستعرض المجتمعون الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة ووضع المسيحيين، ثم انتقلوا إلى درس كل بنود ورقة إعلان النوايا تفصيلاً وتشريح ما ورد فيها، وبأنها عبارة عن «مانيفستو» واتفاق سياسي، أكثر مما هي ورقة مبادئ عامة. وشدد جعجع كما شدد عون على أن «خطوة اللقاء ليست مناورة ولا لمجرد الصورة، بل هي بداية لمرحلة تنسيق جدي على كافة المستويات». خلال العرض للوضع السياسي الداخلي، تناول عون وجعجع موضوع الرئاسة، من خلال مبادرة عون وما يدور حولها أيضاً من تفاصيل، كما تشريع الضرورة. وبدا لافتاً إعلان جعجع أمام الصحافيين الاتفاق على أهمية قانون استعادة الجنسية وقانون الانتخاب. وجرى أيضاً الحديث عن التعيينات الأمنية بشكل مفصل.
وعن علاقات الطرفين بحلفائهما، جرى التأكيد أن «هذه التحالفات غنى للطرفين وللاتفاق بينهما وفيها من الإيجابيات الكثير». لكن الطرفين اتفقا على «أهمية احترام الأمور الميثاقية وعدم السماح باللعب على التناقضات المسيحية». وعُلم أنه «تم الاتفاق على آليات المتابعة على أكثر من مستوى وجرى الحديث تفصيلاً عن خطط للمتابعة العملية يعلن عنها الطرفان تباعاً».

 

توقيت اللقاء

مصدر وثيق الصلة بعون، قال لـ«الأخبار» إن الأهم في الموضوع هو توقيت عقد اللقاء، «الذي كان من الممكن أن يتأخر قليلاً لولا عدد من الأسباب التي حتمت تقديم موعده». ويشرح المصدر أنه «في ظل هجمة فريق 14 آذار بكافة أطرافه على عون، وبعد موقف البطريرك بشارة الراعي الذي اعتبر أن انتخاب رئيس للجمهورية هو العودة إلى الدستور واستلهامه في كل مبادرة فعلية ومنطقة. وبعد أن أطلق تكتل التغيير والإصلاح مبادرته، حصل اللقاء في هذا التوقيت». هذه العوامل الثلاثة «تشير إلى قيام جبهة مسيحية يتفق أركانها على الأساسيات وهي ستمثل تحدياً لباقي القوى». ويؤكد المصدر أن «اللقاء كان سيتأخر لو أن الأجواء في المنطقة لم تنحُ إلى ما آلت إليه، ولو أن موقف الراعي كان بهذه الحدّة».ما بعد اللقاء، بالنسبة إلى المصدر، هو «مراقبة حركة مربع بكركي، الرابية، معراب وبنشعي، لنرى إن كانت ستتمكن من إنضاج حل انطلاقاً من المبادرة التي طُرحت وورقة النوايا». أما بالنسبة إلى حزب الكتائب، «فنحن لم نستثنِ أحداً، بل بكفيا هي التي فضلت النأي بنفسها حين قررت الدخول بجبهة مع الرئيس السابق ميشال سليمان وحين لم تستجب للاتصالات معها»، على الرغم من ذلك «هناك نية للبحث مع الكتائب من أجل أن يعودوا إلى هذا المناخ الجامع».
وبعد الاجتماع، تلا كنعان والرياشي ورقة إعلان النوايا، ثم تحدث جعجع قائلاً: «أنا مسرور لأني موجود في الرابية، وكنت أقول لعون يا ليت الاجتماع حصل منذ سنوات عدة. أنا موجود هنا ليس لأي سبب من الأسباب المطروحة اليوم، بل إن السبب الرئيسي هو التقاء القوتين السياسيتين، وهما قوتان، إن التقتا يمكن أن يكون لهما تأثير إيجابي على لبنان». وأضاف: «اجتماعنا اليوم هو بداية حوار، وعملنا سيبدأ منذ اليوم، وسنبذل جهدنا كي لا تفشل هذه المحاولة، وأي موضوع ممكن أن نختلف عليه سنضعه جانباً ونكمل بالمواضيع الأخرى». وتابع: «اتفقنا على ضرورة وضع قانون انتخابي جديد وقانون استعادة الجنسية، على رأس أعمال أي جلسة تشريعية. ونحن لا نعارض المبادرة التي طرحها العماد عون عن استطلاع الرأي بشرط أن تكون تحت سقف الدستور».


التقى كنعان ورياشي بالسفير البابوي غابريـال كاتشيا الذي أثنى على المفاوضات



من جهته، قال عون: «زيارة الحكيم كانت مفاجئة، ونحن نوافق على النوايا التي أعلنت ومصممون على تنفيذها، لكننا نؤيده. وإن اللقاء اليوم كان إيجابياً، وهو هدية للمسيحيين القلقين على الوضع في لبنان». وأضاف أن «الوضع المسيحي ارتاح، وسترون مزيداً من الارتياح في الفترة المقبلة».
بالنسبة إلى حزب الكتائب، يقول النائب إيلي ماروني لـ«الأخبار» إن اللقاء «بصورته الإيجابية هو فرصة للتلاقي المسيحي المسيحي، وأبلغ تعبير ما قاله جعجع الذي تمنى لو أنه تم قبل 30 عاماً». الأهم بالنسبة إلى الكتائب هو حصول اللقاء «أما البنود التي طُرحت فليست غريبة. كلنا نريد انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن فليتفضل عون ويفتح لنا المجال وكلنا نريد قانون انتخابات. النوايا إيجابية على أمل أن تُترجم إلى أمور عملية». ويعتبر ماروني أن «الاثنين لم يعد بإمكانهما معايرة بعضهما بالماضي». أما بالنسبة إلى تشديد جعجع خلال المؤتمر الصحافي على أن القوات والتيار الوطني الحر هما الأقوى مسيحياً، يقول ماروني: «كل شخص يُصنف نفسه مثلما يريد. إذا كانا الأقوى فليقدما حلاً للمشكلة في البلد».
ويُشدد ماروني على أن الكتائب «داعية للحوار وتتمنى التوفيق. أوضحنا سابقاً ونعيد التأكيد أن اللقاء بيننا وبين سليمان هو تشاوري ولا يصب ضدّ أحد ولا يهدف إلى إنشاء جبهة. كما نحن نتقبل حوار أي طرف، على الآخرين أن يقبلوا بحواراتنا مع باقي القوى».

 


إعلان النوايا: لا مركزية إدارية... وإسرائيل عدوّ

نصت ورقة إعلان النوايا الموقّعة بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية على الآتي:
لما كان الحوار هو الوسيلة الفضلى لتبادل الآراء وتفاعلها من اجل صياغة رؤية مشتركة حول القضايا والمواضيع ذات الاهتمام المتبادل على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية، ولما كان التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية قد عقدا أكثر من لقاء وبحثا أسس التفاهم في ما بينهما، فوجدا أن التنافس السياسي أمر مشروع وواجب لإرساء قواعد الديمقراطية وبلورتها في نظام للحكم، ولما كان حزبا التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية قد أجريا مراجعة للعلاقة التي سادت بينهما خلال أكثر من ربع قرن، وذلك من أجل تنقية الذاكرة من مناخات الخصومة السياسية التي طبعت تلك العلاقة، والتطلع بالتالي نحو مستقبل يسوده التنافس السياسي الشريف و/أو التعاون السياسي.
ــ التزام نهج الحوار والتخاطب السياسي البناء والسعي الدائم للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة.
ــ تأكيد الإيمان بلبنان كوطن نهائي سيد حر مستقل وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسية ثابتة.
ــ اعتماد المبادئ السيادية في مقاربة المواضيع التي هي على ارتباط وثيق بالقضايا الإقليمية والدولية، على أن تؤخذ في الاعتبار إمكانات الدولة اللبنانية والمعادلات الإقليمية والدولية.
ــ الالتزام بمرتكزات وثيقة الوفاق الوطني التي أقرّت في الطائف، والتعهد باحترام أحكام الدستور كافة دون انتقائية وبعيداً عن الاعتبارات السياسية والابتعاد عن كل ما من شأنه التلاعب بأحكام الدستور أو إساءة تفسيره.
ــ التأكيد على أن وثيقة الوفاق الوطني قد طبقت منذ إقرارها وخلال عهد الوصاية وحتى اليوم بشكل مُعْتَوِر، ما يوجب تصويب المسار من خلال العودة إلى مرتكزات الميثاق الوطني وأحكام الدستور المتعلقة بالمناصفة الفعلية وصحة التمثيل النيابي الفعال والشراكة الصحيحة بين مكونات المجتمع اللبناني كافة بما يحفظ قواعد العيش المشترك، وترجمة ذلك في قانون انتخاب يؤمن القواعد المشار إليها أعلاه، وفي انتخاب رئيس للجمهورية قوي ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكونات الأخرى، والإيفاء بقسمه وبالتزامات الرئاسة بما يؤمن الشراكة الفعلية الميثاقية والمصلحة الوطنية العليا.
ــ العمل على تعزيز مؤسسات الدولة وتشجيع ثقافة الاحتكام إلى القانون والمؤسسات الشرعية لحلّ أي خلاف أو إشكال طارئ وعدم اللجوء إلى السلاح والعنف مهما تكن الهواجس والاحتقانات
ــ دعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسيادة والأمن القومي وتكريس الجهد اللازم لتمكينه وسائر القوى الأمنية الشرعية من التعامل مع كل الحالات الأمنية على الأراضي اللبنانية كافة بهدف بسط سلطة الدولة وحدها على كامل الأراضي اللبنانية.
ــ ضرورة التزام سياسة خارجية مستقلة بما يضمن مصلحة لبنان ويحترم القانون الدولي وذلك بنسج علاقات تعاون وصداقة مع جميع الدول، ولا سيما العربية منها مما يحصن الوضع الداخلي اللبناني سياسياً وأمنياً ويساعد على استقرار الأوضاع وكذلك اعتبار إسرائيل دولة عدوة والتمسك بحق الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم ورفض التوطين واعتماد حل الدولتين ومبادرة بيروت 2002.
ــ الحرص على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية بالاتجاهين وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحق في التضامن الإنساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفولاً تحت سقف الدستور والقانون والمصلحة الوطنية العليا.
ــ احترام قرارات الشرعية الدولية كافة والالتزام بمواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
ــ العمل على تنفيذ القرارات السابقة التي تم الاتفاق عليها في طاولة الحوار الوطني.
ــ إيجاد حل لمشكلة النزوح السوري والمتعاظمة التي أصبحت بمثابة قنبلة موقوتة أمنياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، ولا سيما مع تفاقمها مع مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وذلك من طريق تأمين عودة النازحين إلى المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية.
ــ ضرورة إقرار قانون جديد للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل بما يحفظ قواعد العيش المشترك ويشكل المدخل الأساسي لإعادة التوازن إلى مؤسسات الدولة.
ــ الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني لجهة اعتماد اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة ونقل قسم كبير من صلاحيات الإدارة المركزية، ولا سيما الإنمائية منها إلى سلطات لامركزية منتخبة، وفقاً للأصول وتأمين الإيرادات الذاتية اللازمة لذلك.
ــ الالتزام بأحكام الدستور المتعلقة بالمالية العامة وبأحكام قانون المحاسبة العمومية التي تحدد موازنة الدولة وشموليتها وأصول ومهل إعدادها وتقديمها إلى المجلس النيابي، وكذلك إعداد الحسابات المالية وتدقيقها وتصديقها وفقاً للأصول وكذلك الالتزام بضرورة تحديد سقف للاقتراض لا يمكن تجاوزه إلا بإجازة جديدة من المجلس النيابي وبضرورة ترشيد الإنفاق والحد من الهدر والإنفاق غير المجدي ومحاربة الفساد المستشري وإعمال قانون الإثراء غير المشروع، وإنشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية.
ــ التأكيد على التمسك بالمبادئ الكيانية المؤسسة للوطن اللبناني والتي هي سبب وجوده وجوهر رسالته في التسامح والتنوع والتعايش الفريد القائم على المشاركة الكاملة في الحكم والعمل المشترك من اجل إقرار القوانين المحققة لذلك وفي طليعتها قانون استعادة الجنسية وقانون تملك الأجانب كما العمل من أجل الحؤول دون القيام بأي إجراءات تخالف المبادئ المنبثقة من الصيغة اللبنانية ومن الميثاق الوطني.
وإذ يعتبر الطرفان أن إعلان النوايا هذا، يهدف إلى وضع المبادئ الديمقراطية ومعاييرها كأساس لتنظيم علاقتهما، يؤكدان إبقاء المبادئ الدستورية والميثاقية فوق سقف التنافس السياسي، كما يؤكدان إرادتهما ورغبتهما في العمل المشترك والتواصل في جميع المجالات والمواقع الممكنة لتنفيذ التزاماتهما المنوه عنها أعلاه، ويعتزمان العمل على تفعيل إنتاجية اتفاقاتهما حيث يتفقان، والتنافس من دون خصام حيث يختلفان، كما يتعهدان بالتواصل الدائم والتباحث المستمر للتفاهم على كافة المواضيع ذات الشأن العام والوطني.