وسط حفاوة رسمية لافتة في دلالاتها السياسية على غير صعيد وطني وعربي، بدأ رئيس مجلس الوزراء تمام سلام زيارته الرسمية إلى المملكة العربية السعودية أمس على أن يتوّجها اليوم بلقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بعد أن كان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز في مقدمة مستقبليه في مطار جدة حيث استعرض وسلام حرس الشرف، ثم أقام ولي العهد نيابةً عن الملك سلمان مأدبة عشاء على شرفه في قصر الضيافة في حضور الرئيس سعد الحريري وأعضاء الوفد اللبناني المرافق لرئيس الحكومة تلتها جلسة محادثات موسعة بين الجانبين فخلوة بين الرئيس سلام والأمير محمد بن نايف. وتقاطعت أوساط سلام ومصادر الوفد المرافق عند التأكيد لـ«المستقبل» على كون «الحفاوة الاستثنائية» التي قوبل بها رئيس الحكومة في المملكة إنما «تعكس الأهمية الكبرى للزيارة وعمق العلاقات وتاريخيتها بين البلدين والمكانة الاستثنائية التي يحتلها لبنان لدى القيادة السعودية».

وفي هذا السياق، أوضحت وكالة الأنباء السعودية «واس» أنّ الأمير محمد بن نايف شدد خلال الاجتماع مع سلام على «متانة العلاقات الاستراتيجية والتاريخية بين البلدين الشقيقين وحرصهما على بذل المزيد من العمل من أجل تكريسها وتعزيزها على مختلف الصعد»، مؤكدًا «استمرار المملكة على العمل بنهجها التاريخي في دعم الوحدة الوطنية في لبنان»، كما نقلت الوكالة عن رئيس الحكومة التنويه من جانبه «بمكانة المملكة العربية السعودية الخاصة في العالمين العربي والإسلامي»، لافتاً إلى أنّ «مساندة المملكة للدول الإسلامية والعربية ومواقفها الداعمة على جميع الأصعدة هي التي جعلتها تتبوأ هذه المكانة المهمة». 

بدورها، أفادت مصادر الوفد الوزاري المرافق «المستقبل» أنّ ولي العهد السعودي عبّر خلال اللقاء الموسع بين الجانبين عن «دعم المملكة المطلق للبنان وثقتها به واستمرارها في توفير هذا الدعم»، مشيرةً إلى أنّ «رئيس الحكومة عرض من جانبه خلال اللقاء مع الأمير محمد بن نايف للمخاطر التي تواجه لبنان من الداخل والخارج».

خطة لمواجهة النزوح

وكان سلام قد عبّر في تصريح لـ«واس» عن دعم لبنان لسياسة المملكة الرامية إلى تمتين وحدة الصف الإسلامي والعربي ومحاربة كل أشكال التطرف وتعزيز أمن المنطقة بعيداً عن أي تدخلات خارجية، وقال: «إن الزيارة تشكل فرصة لمقابلة خادم الحرمين الشريفين الذي يحظى بمكانة كبيرة في قلوب اللبنانيين، وسوف ننقل إليه تحيات الشعب اللبناني وشكره على كل ما قامت به المملكة وتقوم به لمساعدة لبنان ودعم مؤسساته الدستورية على مدى السنين (...) ومنها التقديمات المالية المباشرة مثل المساهمات الكبيرة في مشاريع إعمار ما هدمته الحرب الأهلية والدعم المخصص لإعادة الإعمار الذي تلقيناه بعد العدوان الإسرائيلي عام 2006 والهبة الكريمة الأخيرة التي قدمت لتسليح الجيش والقوى الأمنية اللبنانية. كما سنعرض في محادثاتنا الوضع في لبنان من كل جوانبه وبخاصة المعركة التي يخوضها الجيش والقوى الأمنية اللبنانية مع الإرهاب وملف النزوح السوري الذي يشكل عبئًا هائلا على لبنان على كل المستويات»، كاشفاً في هذا السياق أنه سيعرض على القيادة السعودية «خطة عمل لمواجهة موضوع النازحين تقوم على شقين الأول يُعنى بالجانب الإنساني للمشكلة والثاني يسعى إلى تعزيز القطاعات والبنى التحتية اللبنانية التي تتحمل عبء النازحين». في وقت ستكون للزيارة أبعاد اقتصادية أخرى تُعنى بدعم النهوض الانمائي في لبنان، علماً أنّ رئيس مجلس الانماء والإعمار نبيل الجسر في عداد الوفد المرافق للزيارة.

عسيري: لا تعديل ولا تراجع

وفي حين كان رئيس الحكومة واضحاً وحاسماً في تأكيده، رداً على سؤال حول الحملات التي تعرضت لها السعودية من قبل بعض الجهات اللبنانية، على كون «الموقف الرسمي اللبناني تعبر عنه الحكومة اللبنانية وليس أي جهة أخرى»، أوضح السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري لـ«المستقبل» لدى استيضاحه عن مدى صحة الأخبار التي تحدثت عن وجود مشكلة ما تتعلق بتنفيذ الهبة السعودية المقدّمة إلى الجيش اللبناني، قائلاً: «لا تعديل ولا تغيير ولا تراجع في هذا الخصوص من جانب المملكة، وأنا كسفير لها في لبنان لم أتلقّ أي توجيهات مختلفة حيال هذا الموضوع». وأضاف: «أما إذا كان ثمة جانب تقني قيد البحث والنقاش بين الجيش اللبناني والجانب الفرنسي أو أي أمر آخر له علاقة بمسار عملية توصيل وتسليم الأسلحة إلى لبنان فهذه مسألة لا شأن للمملكة بها».

«الشلل المضبوط»

أما في بيروت، فيبقى الوضع الحكومي معلّقاً على نتائج جلسة مجلس الوزراء يوم غد الخميس وسط تمسّك الأطراف السياسية بمواقفها إزاء ملفي عرسال والتعيينات العسكرية والأمنية، وإن بدا الملف الأول أكثر قابلية للتوافق مع تقاطع المواقف المبدئية عند تولي الجيش مسؤولية الأمن فيها، وهو ما أبلغه رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس إلى وزير الصحة وائل أبو فاعور مؤكداً تمسكه «بتولي الجيش ولا أحد غيره أمن مدينة عرسال» وفق ما نقل مصدر وزاري لـ«المستقبل».

وعلى أرض الواقع السياسي، بدأت القوى السياسية الاستعداد لمرحلة ما بعد جلسة الغد الحكومية باعتبار أنّ نتائجها معروفة سلفاً وأبرزها قرار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق التمديد لولاية المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص وما سيعقب ذلك من رفض وزراء «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» لهذا التمديد، ما ينقل الحكومة إلى مرحلة «الشلل المضبوط» بحسب تأكيد أكثر من مصدر وزاري لـ«المستقبل».

حيال ذلك، كشف مصدر وزاري وسطي لـ«المستقبل» أنّ اتصالات بدأت منذ أيام بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«حزب الله» تتمحور حول كيفية إدارة مرحلة الشلل الحكومي إذا ما أصرّ الوزراء العونيون على الاعتكاف بعد الخميس (لا استقالة) أو على التمسّك بملفي عرسال والتعيينات بنداً أول في كل جلسات مجلس الوزراء اللاحقة. وأوضح المصدر أنّ «الاشتراكي» طرح مجموعة أفكار للتعويض عن «الشلل» العتيد لم يُظهر «حزب الله» تحفظاً إزاءها وهي: 

1 ـ أن يستمرّ رئيس الحكومة بعقد اجتماعات وزارية لمتابعة الشؤون اليومية وتسيير أمور الدولة.

2 ـ عقد اجتماعات شبه دورية لمجلس الدفاع الأعلى لمتابعة الوضع الأمني والحفاظ على الاستقرار سواءً في عرسال أو في غيرها من المناطق.

3 ـ التوافق على توقيع مراسيم عادية (لا تحتاج إلى مجلس الوزراء إنما إلى توقيع رئيس الحكومة والوزراء المعنيين) تُعنى بتسيير أمور الدولة المُلحّة، مع الإشارة إلى أنّ هذه النقطة جرى درسها قانونياً لجهة ما إذا كان ثمة ضرورة لمراسيم جوالة، غير أنّ الخبراء القانونيين أجمعوا على عدم الحاجة إلى مثل هذه المراسيم طالما أنّ الحكومة ليست مستقيلة.