لم يدخل مجلس الوزراء منذ أشهر في نقاشات عميقة وجدّية كما دخلَ في جلسته أمس عند مقاربة ملف عرسال وجرودها. مطالعاتٌ ونقاشات ووجهات نَظر لم تُغَيّر من المواقف لكنّها تقاطعَت عند تعاظم المخاطر. ولم يتّفق مجلس الوزراء حول طرح سلام فصلَ ملف عرسال وجرودها عن ملف التعيينات الأمنية في اعتبار أنّ لكلّ ملف ظروفَه السياسية والأمنية والعسكرية.

كذلك لم يتّفق المجلس على البيان الذي أعدّه رئيس الحكومة لإصداره باسم مجلس الوزراء مجتمعاً حول مقاربة الحلّ في عرسال وجرودها بعد اعتراض وزراء «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» عليه.

وتقرّرَ استكمال النقاش في جلسة الخميس التي تناقش أصلاً جدول أعمال لم يُعرَف بعد ما إذا كانت الاتصالات ستَسمح بتكرار ما حصل الخميس الماضي أي تمرير سلّة بنود قبل البدء بالنقاش السياسي، وسط معلومات لـ»الجمهورية» أنّ وزراء «التيار الوطني الحر» سيكونون أكثر تشَدّداً، خصوصاً أنّ ملف التعيينات بدأ بالوصول إلى مواقيته.

وهنا نصّ البيان الذي حصلت عليه «الجمهورية»: «إنّ مجلس الوزراء، وبعد مناقشات مستفيضة للأوضاع المأسوية في عرسال، الناجمة عن تواجد المسلحين في جرودها وتركّز أعداد هائلة من النازحين السوريين داخلها وفي جوارها، يؤكّد على التفويض الممنوح للجيش اللبناني باتّخاذ كلّ الإجراءات اللازمة للدفاع عن هذه البلدة اللبنانية العزيزة وحمايتِها من المخاطر التي تتهَدّدها.

ويعلن مجلس الوزراء ثقتَه الكاملة بالجيش وبقدرة قيادته على إجراء التقييم الأمثل للوضع الميداني، واتّخاذ القرارات والإجراءات المناسبة لمعالجة أيّ وضع شاذ داخلَ عرسال أو في محيطها، مثلما هو الحال بالنسبة إلى أيّ مدينة أو بلدة لبنانية أخرى تشهَد وجوداً مسَلحاً غير شرعي أو احتلالاً أجنبياً. كما يؤكّد عدمَ وجود قيود من أيّ نوع أمام الخطوات التي قد يتّخذها الجيش لتحرير جرود عرسال وإبعاد خطر الارهابيين والقوى التكفيرية.

إنّ مجلس الوزراء يؤكّد أنّ أبناء عرسال مواطنون كرام أعزّاء، مِثلهم مثلُ جميع اللبنانيين. وهم كانوا وسيَبقون في حمى الدولة وفي كنَف جيشها الذي طالما رفَده العرساليون بخيرةِ أبنائهم. ويَعتبر المجلس أنّ لعرسال حقّاً مطلقاً في حياة آمنة مستقرّة بعيداً من أيّ تهديد لأمنِها ولمصادر رزقِها.

وقد قرّرَ المجلس دعوة اللجنة الوزارية المكلّفة ملف النازحين السوريين، وضعَ تصَوّر عملي حول أفضل السُبل للتعامل مع مشكلة التمركُز الهائل للنازحين السوريين داخل عرسال وفي محيطها، ورفعَه إلى مجلس الوزراء لاتّخاذ القرارات اللازمة في شأنه».

المشنوق لـ«الجمهورية»

وعلمَت «الجمهورية» أنّ وزير الداخلية أعَدّ مطالعة سياسية وأمنية بالغة الأهمّية يتحدّث فيها عن رؤيته لحلّ الملفّين استناداً إلى الواقع السياسي والميداني.

وقال المشنوق لـ«الجمهورية» لم نتوصّل الى تفاهم على صيغة سياسية وأمنية لحلّ ملف عرسال وجرودها، فالأمور لم تَستوِ بعد، على الرغم من أنّ النقاش إيجابي في أماكن عدة. واعتبر أنّه من غير المقبول طرح تعيين قائد للجيش قبل نهاية ولاية القائد الحالي، إذ لا يُعقَل التعاطي مع هذا الأمر بهذا الأسلوب، مجدّداً التأكيد أنّه سيَطرح ملف تعيين مدير عام قوى الأمن الداخلي في ربع الساعة الأخير.

مقبِل لـ«الجمهورية»

من جهته، قال وزير الدفاع سمير مقبل لـ»الجمهورية»: عند الاستحقاق نَبحث في ملف تعيين قائد الجيش، وأنا لا زلتُ عند موقفي، سأدرس القرار المناسب وأصدِره في الوقت المناسب.

وعن عرسال أكّد مقبل أنّ الجيش يحاصر البلدة من كلّ الجهات، وهو يدخل ويخرج بدوريات عسكرية وأمنية، ولكنّه لم يأخذ أيّ قرار بإقامة مراكز ثابتة في عرسال، لأنّ هذا الامر في غاية الحساسيّة، فنحن لا نتحمّل سقوط 300 و400 قتيل إذا دخلنا بطريقة غير مدروسة، وهذا الأمر سيؤجّج الحساسية المذهبية. أمّا في الجرود فعندما يَرى الجيش اللبناني أنّ الوقت مناسب للعملية العسكرية سيقوم بها.

وعن مخيّمات النازحين قال: «إنّ الامر ليس بالفلتان الذي يصوّره البعض، فلا أحد يخرج إلّا إذا كان لديه إقامة، ومن لا يقدّم الأوراق القانونية نوقفه ونسلّمه للأمن العام، فليَعلم الجميع نحن في أيام حرب مع الإرهاب، وهناك واقع على الارض لا بدّ من معالجته بعيداً من التنظير والمزايدات».

مصدر عسكري رفيع

إلى ذلك، أعلنَ مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ ملف عرسال يعالَج بهدوء ورويّة، في وقتٍ يَستكمل الجيش إجراءاته الميدانية تحسّباً لأيّ معركة قد تُفرَض عليه».

وأكّد أنّ «الجيش الجاهز لكلّ احتمال، ينتظر قرار الحكومة في شأن الجرود، وهو سيَلتزم به، خصوصاً أنّها ستأخذه بعد درس الواقع الميداني، لكن حتّى الآن لم يتبلّغ الجيش من السلطة التنفيذية أيّ قرار استثنائيّ، وعندما تُقرّر الحكومة فتحَ معركة الجرد فلكلّ حادث حديث».

ونبَّه المصدر الى أنّ «إرتفاع منسوب التوتّر في البقاع يشكّل خطراً على الوحدة الوطنية» وقال: «إنّ أيّ هجوم على بلدة عرسال من الجوار لن يسمحَ الجيش بحصوله، وهو اتّخذ كلّ التدابير لحمايتها وعدم وقوع أيّ صِدام مع البلدات المجاورة، فهذه عقيدة الجيش، وركيزتُها الحفاظ على السِلم الأهلي، ولا تحتاج الى قرار سياسي، بل إنّ الجيش يطبّقها في عرسال وسائر القرى والبلدات اللبنانية».

سلام إلى جدّة

وقبل ظهر اليوم يتوجّه سلام على رأس وفد وزاري إلى جدّة في زيارة رسمية تستمرّ يومين يلتقي خلالها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد الأمير محمد بن نايف ووليّ وليّ العهد الامير محمد بن سلمان وكبار المسؤولين السعوديين، للتشاور في آخر المستجدّات على المستويات الإقليمية والدولية والوضع في لبنان وانعكاسات حروب المنطقة على الواقع اللبناني، ولا سيّما تردّدات الأزمة السورية.

وقالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» إنّ الزيارة ستؤكّد استمرارَ دعم المملكة للحكومة اللبنانية ووضعَ إمكاناتها في تصرّف اللبنانيين حفاظاً على الأمن والاستقرار في البلاد مهما عصفَت الأزمات في المنطقة.

من جهتها، ذكرَت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ الزيارة تجاوزَت مطبّ الرواية التي تحدّثت عن وقف العمل بهِبة الـ 3 مليارات السعودية للجيش اللبناني، في محاولةٍ للتشويش على الزيارة، وهو أمرٌ ردَّت عليه المصادر اللبنانية والسعودية في آنٍ بسخرية واضحة عندما قالت إنّ الهِبة وقّعت بعقود من دولة إلى دولة بين السعودية وفرنسا ولصالح الجيش اللبناني، وإنّ الحديث عن هذا الموضوع لا يخلو من السَذاجة.

وقالت المصادر: «مَن رغبَ بالتشويش على الزيارة كان عليه البحث في ملفّات أخرى لا تمسّ معنويات الجيش اللبناني وحاجتَه إلى الأسلحة المتطوّرة التي تخدم المهامَّ الجِسام التي يقوم بها، وخصوصاً في مواجهة الإرهاب، بعدما تحوّلت هذه المواجهة دوليّة.

موفد البابا

وفي وقتٍ تَطغى الملفات الأمنية على الساحة اللبنانية، يواصل موفد البابا فرنسيس، رئيس محكمة العدل في الفاتيكان الكاردينال دومينيك مومبرتي، جولاته على المسؤولين، فيزور في الخامسة عصر اليوم رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل، وهو كان جالَ أمس ومعه السفير البابوي غبريال كاتشيا على رئيس الحكومة تمّام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل وتناوَل البحث الأوضاع والتطوّرات الراهنة على الساحة الداخلية، خصوصاً انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وأكّد مومبرتي تطلّعَ الكرسي الرسولي الدائم «وباهتمام كبير وبعاطفة كبيرة الى لبنان، الذي قدّمَ في هذه المرحلة رسالةً مهمّة بأن يكون نموذجاً في وسط عالم صَعبٍ يهيمن عليه العنف في غالب الأحيان، وإنّه يجب على هذا البلد الذي أعطى على مدى قرون نموذجاً من العيش المشترك بين طوائفه المختلفة، أن يستمرّ في إعطاء هذا المثل.

واعتبرَ أنّ «الوضع المؤسساتي يشغل بالَ المجتمع الدولي وبالَنا أيضاً، ونحن نأمل دائماً في أنّه عبر الحوار سيكون من الممكن تخَطّي المرحلة الحالية والتوصّل الى استقرار أكبر للمؤسسات اللبنانية التي هي ضرورية جدّاً في ظلّ الإطار الإقليمي الذي ذكرته».

صيّاح لـ«الجمهوريّة»

من جهتِها، تبدي بكركي ارتياحَها إلى مسار الأمور في قضية ردم الحوض الرابع، حيث تَعتبر أنّ الملف يعالَج بهدوء وكما أرادت البطريركية المارونية والأحزاب المسيحية الخمسة ومعهم قيادة الجيش.

وفي هذا السياق، أكّد النائب البطريركي العام المطران بولس صياح لـ»الجمهورية» أنّ «بكركي نجحَت في إيصال ملف الحوض الرابع الى خواتيمه السعيدة، فهذا الموضوع وطنيّ ويعني كلّ لبنان وليس المسيحيّين فقط»، لافتاً إلى أنّ «تدخّلَ قيادة الجيش كان حازماً، وقد قالت لإدارة المرفأ إنّ ردمَ الحوض يؤثّر سلباً على عمل الجيش، لأنّه يَحتاجه للأعمال العسكريّة، وهناك سُفن حربية كبيرة ترسو فيه، كذلك فإنّ البواخر التي تنقلُ سلاحاً وعتاداً للجيش سترسو فيه، خصوصاً بعد سلوك الهبات طريقَها نحو التنفيذ، والجيش يستعدّ لتسَلّم السلاح الثقيل».

ونفى صيّاح أن يكون تدخّل قائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير المخابرات العميد إدمون فاضل دعماً لموقف بكركي أتى على خلفيّة مذهبيّة أو لأنّهما مارونيّان، «بل إنّ تدَخّلهما جاء نتيجة احتياجات الجيش، ولأنّ كلّ لبنان سيتضرَّر من الردم، كذلك فإنّ بكركي وقيادة الجيش لم يفكّرا يوماً من منطلق طائفيّ».