انتشر في اليومين الأخيرين فيديو لفتاتين تتعاركا في ساحة التل – طرابلس ، وحظي الفيديو بكثير من التعليق تراوح بين النقد والسخرية ، ومن باب الصدفة ، تزامن هذا الحدث مع فيديو من نوع آخر وهو لرئيس بلدية يعنف زوجته في الشارع ويقوم بضربها .
ليكتمل الأمر البارحة حيث تعرضت فتاة في عالية لسبع رصاصة عاشقة وزعت على جسدها ، ليقدم مطلق النار على الإنتحار بعدها !
ثلاث قصص ، سيطرت على المجتمع اللبناني ، ولكل منها بعد مختلف غير أن الرابط الوثيق بينهم هو "ثقافة العنف" التي يهضمها مجتمعنا ويمررها بالنكتة .
فعراك الفتاتين لم يستوجب تدخل المارة وإنما تصوريهم للمشهد وكأنهم يردون على جماعة "كفى" ، ويقولون لهم : إنظروا العنف أنثوي أيضاً !
بل لقد سمعتها من عدة أشخاص شاهدوا الفيديو حينما قالوا بإستهزاء ، إحموا المرأة من نفسها ومن بنات جنسها ثم هاجموا الرجل ؟
لا شك أنّ المشهد ، يجعلنا ننظر إليه بكثير من الأسى ، والنفور ، هو مشهد لا يليق بالأنثى ولا بأي منطق ، غير أن ثقافة "شد الشعر" هي الراسخة بمعتقدات أمية الفكر .
الفيديو الثاني ، بطله "مدعوم" ، رئيس بلدية ومحامٍ ، التقط وتمّ عرضه مع عدم إظهار الوجه ، ولعلّ هذا أول البشائر لتمّلصه من العقاب ، فحيث لم تجرؤ وسائل الإعلام على إزاحة الستار عن هويته ، لن يجرؤ بالتالي القانون على محاسبته .
ولو ، لوحق قانونياً ، فالزوجة التي لم تقدم شكوى لن تعترف بالأمر ، كيف والجاني محامي ، أي مدرك جيداً لزواريب المحاكم وللعب على المواد القانونية ، ولعله بعد انتشار الفيديو حمّلها تهديدات إما الصمت وإما "بهدلة المحاكم والحرمان من ولادا " ، بل لربما هددها بتسويق تهمة شرف ضدها ، وبتدعيمها بالأدلة ، وأسهل ما يكون عليه شراء "زاني" و شاهدين ، فتقع ضحية تهمة هي براء منها براءة "قميص يوسف" .
ولأنها إمرأة والمجتمع الشرقي ، تختار "السترة" و الأولاد تحت جناح رجل سيواصل تعنيفها في محاولة لإشباع نقص رجولته بيده .
الفيديو الثالث ، هو العشق القاتل ، وبطلاه في مقتبل العمر ، الشاب 23 عاماً ، الفتاة 26 عاماً ، ثمن الحب والغيرة 8 رصاصات ، 7 للبطلة و واحدة في رأس البطل .
لن ندخل في موضوع السلاح والرخصة وفوضى حمله بين الشباب ، ولكن سنتحدث عن المجتمع والإعلام وحتى القصص التي تربينا عليها والتي حوّلت أسمى المشاعر "الحب" لتملك وموت .
بل إنّنا نشعر بالفرح والسعادة حينما نسمع قصة حبيبين إنتحرا لأن الحظ عارضهما ، وكأن الحب "روميو وجولييت" والسم هو إكتمال المشاعر .
هذا السم كان في عاليه مسدساً ، حب أعماه الغيرة ، إرتفعت وتيرة المشاكل ، أطلق النار عليها ثم على نفسه في شهامة بطل أراد اللحاق بمحبوبته حتى في الموت .
هي وضعها مستقر ، وهو في حالة حرجة ، غير أنهما نموذجين من كثر في المجتمع اللبناني ، فكم تتردد في الحياة العاطفية جملة :
"يا بتكوني الي يا بقتلك " ، " اذا ما أخدتك بنتحر " ، "بموت ولا باخد غيرك " ، "إذا حدا اطلع فيكي بقوصه " ، " استرجي فكري بغيري بؤبرك " ، " الي بتفكر تاخدك مني بدبحا " ....
وغيرها من التعابير التي تربط الحب بالعنف والتملك حتى أصبحت راسخة في أذهان شبابنا وأصبحت للأسف مقدسة !
كفى ....
نعم كفى ، لتعنيف المرأة لذاتها وللمرأة مثلها ، كفى لثقافة "شد الشعر والعض " ، كفى للصمت على تعنيف الرجل وللرضوخ .
ولنتبع مقولة : "ما متنا ما شفنا مين مات"
فلتنظر النساء لضحايا التعنيف وآخرهن سارة الأمين ، ولتقول : لا أريد أن أكون "جثة معنفة " .
كفى ، لتحويل الحب لملحمة ، لتراجيديا ، ولجعل السم هو إكسير المشاعر ...
فالرصاصة العاشقة هي الوردة وليست البارود !