انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح“شيعة السفارة” الذي يطلقه حزب الله على معارضي سياسته والمتصدّين لقرار دخوله بالحرب السورية والقتال إلى جانب بشار الاسد، حيث كان لهؤلاء رؤية مختلفة تماما عن ما حاول الحزب أن يسوقه لهم من أعذار قدّمها للجمهور اللبناني بشكل عام والشيعي منه بشكل خاص من أجل تبرير هذا التحول الكبير ليس فقط في الدور المناط ببندقية المقاومة وإنما تحول الوجدان الشيعي التاريخي القائم اساسا على الرفض لكل مظاهر الانظمة المستبدة والوقوف الى جانب المضطهدين والمظلومين في محاربتهم لجلاديهم وليس العكس، فهذه الثابة الشيعية التاريخية التي نسفها الحزب بسوريا لم ترق لهؤلاء الثلة من الشيعة ولم ينجروا مع البروبوغاندا الحزبية القائمة حتى اللحظة.
صحيح أن أؤلئك القلة من الشيعة اللبنانيين قد لمع نجمهم وبأن دورهم هذه الأيام بعد أن هاجمهم (مشكورًا) الامين العام فصاروا محل متابعة ومحط انظار وسائل الاعلام والكتاب وحتى الناقمين من الجمهور الذي لا يكاد يخلوا يوما لا يتعرضون فيه لهم على صفحات التواصل او بوسائلهم الاعلامية او حتى بشكل مباشر.
والجدير ذكره في هذا السياق ان هذه الاصوات الشيعية لم تولد الآن ولم تكن نتاج قرار او ترجمة لرغبات اخرين كما يحاول اعلام الحزب ان يصور، ولا هم اناس اُسقطوا على اهلهم ومجتمعهم من الخارج او انهم يحملون في قلوبهم غل او ضغينة على ناسهم وحتى على حزب الله المختلفين معه، بل هي اصوات خرجت من بين احبائهم واقاربهم وجيرانهم، فكانت ولا زالت ومن اللحظات الاولى تحاول ان تلعب دور الناصح الامين للحزب اولا، ولأهلهم الشيعة ثانيا.
ولطالما اعتبروا أنفسهم بمحل الحريص والمدافع عن وطنهم في مقابل خيارات قالوا منذ البدايات أنها لن تجلب لنا ولوطننا إلا المآسي والويلات وبأنها (الخيارات) ستصل بنا إلى ما نحن عليه اليوم من حرائق مذهبية لن تبقي ولن تذر، وقد ظهرت للأسف صحة رؤيتهم.
وفي هذا السياق فإنه يسجل لهؤلاء بأن كل ما تحملوه من اثقال ومضايقات وحملات تجني بسبب هذا التمايز وبسبب صحة ما كانوا يحذّرون منه فقد اثمرت جهودهم ولو بالحد الأدنى من ثمرات لا يجب التغاضي عنها وفي مقدمة هذه الحصائد الايجابية هو ابعاد شبح المذهبية عن حالة الصراع القائم الان والذي حاول طرفي الاقتتال رفع رايتها والتجييش تحتها فلم يعد باستطاعة احد الان القول ان الشيعة بقدهم وقديدهم هم مطورتون بما يقوم به بعضهم، بالخصوص إذا ما اضفنا إليهم شريحة واسعة جدا من الشيعة هم بعيدين كل البعد عن ما يحاول الحزب أخذهم اليه، الا انهم كانوا ولا يزال معظمهم لا يتجرؤون على الإفصاح بما في مكنوناتهم لاسباب ليست هي الآن موضع البحث.
في الختام فإن “شيعة السفارة” كما يُطلق عليهم اليوم قد استطاعوا بالرغم من امكانياتهم شبه المعدومة واعدادهم القليلة، قد استطاعوا ” بلحمهم الحي” أن يقولوا كلمتهم وأن يدافعوا عن قناعتهم وأن يحملوا أوجاعهم على اكفهم، ليثبتوا للعالم اجمع بان في الشيعة ايضا هناك رأي اخر، وهناك توجهات مختلفة يمكن ان تتلاقى على مساحات مشتركة ان مع الشعب السوري المنتفض (وهذا يمكن ان يشكل ضمانة للمرحلة القادمة)، او في الداخل اللبناني وهذا ما تفتقده مشهدية الوحدة الوطنية من اجل اكتمال الصورة – ومن هنا تلمسنا هذا التضامن الواسع من مختلف الشرائح اللبنانية معهم.
وأن هذين الامرين هما اكثر ما تحتاجهماالطائفية الشيعيةفي القادم من الأيام وهما ما يحتاجه لبنان والمنطقة من اجل الخروج من دوامة الموت الاسود وهذا ما يجب ان يعلمه الجمهور الشيعي قبل غيره.