نجحت الاتصالات السياسية ليل أمس في تجنيب الحكومة خضّة التعيينات العسكرية والأمنية وعرسال التي ستُبحَث في جلسة لمجلس الوزراء عصر الاثنين المقبل، فمرّت جلسة امس في سلام وغابَ التشنج عن اجوائها ليسودَ «نقاش هادئ ورصين»، حسبما اعلنَ وزير الاعلام رمزي جريج في المقررات الرسمية، مؤكّداً أنّ الامور آيلةٌ الى إتفاق على موقف موحّد من قضيتي عرسال والتعيينات.
السفير :
إن دلت جلسة الحكومة، أمس، على شيء، فعلى تهيب جميع مكوناتها، حتى الآن، مغبة الإقدام على أية اندفاعة سياسية تهدد البنيان الوزاري.. الهش أصلا.
أفرغ الوزراء مخزونهم العرسالي، سياسياً، وقدموا مقاربات متناقضة من هانوي حسين الحاج حسن إلى هونغ كونغ سمير مقبل.. وبينهما، أبحر قارب نهاد المشنوق بصياغات يحكمها الموقع الوزاري.. والموقف السياسي. أما جبران باسيل، فقد قال كلمته في التعيينات الأمنية وعرسال.. قبل أن يطالب باعتمادات مالية جديدة غب رحلات خارجية، بعد تدشين مرحلة «التعطيل الحكومي»!
هدأت معظم المحركات السياسية، باستثناء محركات وليد جنبلاط. تحرك الزعيم الدرزي في أكثر من اتجاه. أجرى، أمس الأول، اتصالاً بسعد الحريري وتمنى عليه السير بخيار شامل روكز قائداً للجيش، معتبراً أنه إذا كان يصعب في هذه المرحلة البت بالرئاسة، فماذا يمنع إرضاء ميشال عون بقيادة الجيش؟
لم يقفل الحريري الأبواب بل طلب مهلة للتفكير في الأمر، علماً أنه كان قد أعطى في السابق إشارات إيجابية قبل أن ينقلب عليها فؤاد السنيورة. دقّق جنبلاط في معطيات بعض «14 آذار» وبعض «الوسطيين» عن عدم وجود حماسة غربية لأي بديل للعماد جان قهوجي في هذه المرحلة. كان جواب سفير الولايات المتحدة ديفيد هيل واضحاً بأن بلاده لا تضع «فيتو» على أي ضابط وأن ما يعنيها هو تماسك الجيش ودوره الضامن للاستقرار ومكافحة الإرهاب، ولذلك، لن تتردد في المضي بدعمه بشتى الإمكانات.
وما قاله ديفيد هيل عبَّر عنه أقرانه من السفراء الغربيين، بأن حماية الجيش اللبناني واستقرار بنيانه القيادي أولوية تتقدم على رئاسة الجمهورية لا بل على كل الاستحقاقات السياسية، خصوصاً في ظل المهمات الكبيرة الملقاة على عاتقه في الداخل أو على طول الحدود اللبنانية.
وعندما قرع البعض أبواب السعوديين، لم يكن جوابهم مختلفاً عن الأميركيين بترك هذه المسألة للقيادات اللبنانية، وأنهم لم ولن يتدخلوا أبداً في هذا النوع من الملفات الداخلية، ولعل هذا الكلام سيسمعه رئيس الحكومة تمام سلام مجدداً، الأربعاء المقبل، في السعودية من ملكها سلمان وولي عهده الأول محمد بن نايف وولي عهده الثاني محمد بن سلمان، مع التأكيد السعودي على دعم الجيش، سواء بالمليارات التي خصصت له في زمن الملك عبدالله، أو بمبادرات جديدة ستشمل بطبيعة الحال ملف النازحين السوريين بالدرجة الأولى.
النهار :
رحّل مجلس الوزراء تبايناته وخلافاته في شأن ملفين متوهجين هما ملف عرسال والتعيينات الامنية والعسكرية الى جلسة يعقدها الاثنين المقبل، أي عشية زيارة سيقوم بها رئيس الوزراء تمام سلام للمملكة العربية السعودية ليومين، الأمر الذي يضفي على الجلسة طابعاً استثنائياً يمكن ان يتحدد في ظله مصير الاختبار الحكومي وان تكن جلسة البارحة اعادت تثبيت قاعدة منع انهيار الحكومة أياً كان الثمن.
وقالت مصادر وزارية بارزة لـ"النهار" ان قضية عرسال "إنطفأت أو شبه إنطفأت بالمواقف السياسية التي سجّلت في الجلسة أمس وبالانتشار الميداني للجيش في البلدة، لكن ما بقيّ مشتعلا هو موضوع التعيينات الذي سيكون محور السخونة في الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء الاثنين المقبل". ورجحت أن يلجأ وزراء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" الى الاعتكاف إذا لم يصلوا الى مرادهم في التعيينات الامنية بما يعني امكان شلّ عمل المجلس حتى إشعار آخر. وفي هذا السياق تحدثت مصادر مواكبة عن سيناريو تعطيل مشابه لذلك الذي إعتمد في مطلع عام 2011 عندما فرطت حكومة الرئيس سعد الحريري لدى زيارته للبيت الابيض في واشنطن، وهذه المرة ثمة إحتمال لإستهداف الرئيس سلام الذي سيبدأ الثلثاء المقبل زيارته للسعودية. لكن مصادر وزارية أخرى قالت لـ"النهار" انه من المبكر الحديث عن نتائج متشائمة لجلسة الاثنين وذلك بفعل الاتصالات التي بدأت قبل يوميّن لإيجاد مخارج للملفين الامني والتعيينات.
وبالنسبة الى وقائع جلسة أمس، علمت "النهار" أن وزير الخارجية جبران باسيل كرّر ما سبق له ان طرحه في الجلسات السابقة عن عرسال والتعيينات. ثم تلاه وزير الصناعة حسين الحاج حسن الذي حذر من مغبة عدم حسم موضوع جرود عرسال لئلا يتكرر ما حصل في الرمادي والموصل. ودعا الى إتخاذ قرار حاسم وحازم بمواجهة التكفيريين. عندئذ طلب رئيس الوزراءمن وزيريّ الدفاع سمير مقبل والداخلية نهاد المشنوق الادلاء بمعطياتهما عن عرسال والتعيينات، فقال الوزير مقبل أن الوضع في عرسال ليس دراماتيكياً بقدر ما قاله زميله الوزير الحاج حسن لأن الجيش مرتاح الى واقع عرسال ويسيطر على البلدة وتلالها، مشيراً الى أن غالبية الاهالي مع الدولة فيما هناك أقلية مع التكفيريين والتنظيمات الارهابية. وأوضح أن قيام الجيش بعملية أمنية في عرسال من شأنه أن يوقع ضحايا في صفوف المدنيين لكن الجيش سيقوم بما هو مناسب في الوقت المناسب. واضاف ان معارك القلمون أدت الى إنسحاب نحو 15 في المئة من المسلحين الى جرود عرسال لكن الجيش يحاصرهم. وعن التعيينات قال ان التشكيك في قائد الجيش مرفوض تماماً، لافتاً الى ان التمديد الاول له جاء من وزير دفاع ينتمي الى "تكتل التغيير والاصلاح" هو فايز غصن ولم يثر ذلك التمديد أي إعتراض أو طعن دستوري. وتساءل عن هدف الحملة الحالية على قيادة الجيش وسط المعارك المصيرية التي تخوضها اليوم؟ ورأى أن تعيين قائد للجيش منفصل تماماً عن تعيين مدير عام لقوى الامن الداخلي وأن هناك مهلة لقائد الجيش حتى أيلول المقبل "وعندما نصل اليها نصلي عليها".
المستقبل :
في ظل ما تكشّف بالأمس من وقائع متقاطعة ومتزامنة حكومياً وميدانياً حول حقيقة الأوضاع في عرسال، وجدت «زوبعة» التصعيد والوعيد المثارة على محور الرابية حارة حريك طريقها نحو «فنجان» حكومي رصين وهادئ عطّل مفاعيلها التهويلية وأعاد الأمور إلى نصابها الوطني بعيداً عن «طواحين» الأهواء السياسية. وما مشهد الوقائع الميدانية في عرسال أمس حيث صال وجال الجيش على وقع نثر أهلها الورد والأرز على آلياته بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء وما تخللها من عرض للحقائق الداحضة لنظريات عجز المؤسسة العسكرية عن ضبط الجبهة الحدودية وعن التوغل في أعماق البلدة، سوى أسطع دليل على أنّ الحملة التي يشنها أصحاب هذه النظريات إنما هي في واقع الأمر تتلحّف معركة الخوف من عرسال بغية الولوج إلى ساحة معركتهم الحقيقية الدائرة على أرض «التعيينات» العسكرية والأمنية. وهو ما لاحظه أكثر من مصدر وزاري خلال جلسة الأمس بالقول لـ«المستقبل»: «المداخلات الوزارية العونية بدت تحاكي في ظاهرها قضية عرسال لكنها تستهدف في جوهرها بشكل واضح وجلي ملف التعيينات».
وفي الرصد السياسي التحليلي لأجواء جلسة مجلس الوزراء، فقد أظهرت الجلسة أنّ حملات التلويح الإعلامي بالاستقالة والاعتكاف لا تعدو كونها مجرد حملة تهويلية على المجلس بهدف إخضاعه لرغبات رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في ملف التعيينات لا سيما منها المتصل بموقع قيادة الجيش. وفي حين لفت الانتباه نأي المعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل بنفسه عن هذه الحملة من خلال عدم خوضه في النقاشات المثارة من قبل وزراء «حزب الله» و«التيار الوطني» حول عرسال والتعيينات، برز في الوقت عينه ما كشفته المصادر الوزارية لـ«المستقبل» لجهة أنّ وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن حرص قبيل انعقاد الجلسة على التأكيد لأكثر من وزير أنّ الحزب ليس في وارد لا الاستقالة ولا الاعتكاف من الحكومة، مشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ معظم الوزراء تقاطعوا إثر انتهاء الجلسة عند الإشادة «بالمهارة التي أبداها رئيس الحكومة تمام سلام في إدارة الجلسة، وبالصلابة والصراحة اللتين ميزتا المداخلة التي أدلى بها وزير الداخلية نهاد المشنوق حول حقيقة الأوضاع في عرسال».
الديار :
سؤال كبير يطرح في البلاد، وهو: هل المسيحيون ديكور في السلطة ام شركاء فعليون في القرار؟ هل يحق لهم اختيار ممثليهم في التعيينات، ام يتم فرض عليهم ما تريده الطوائف الاخرى في لبنان، وعند الحسم لا يتم التعيين بل يتم التمديد؟
العماد ميشال عون مكون مسيحي اساسي في البلاد، فلماذا لا يتم احترام رأي تكتل التغيير والاصلاح؟ ولذلك فالخيارات مفتوحة بدءا من الاثنين.
مصدر رفيع في التيار الوطني الحر أكد لـ«الديار» ان قضية التمديد للقادة العسكريين حسمت داخل التيار بالرفض الشامل، ولن نقبل بعد اليوم الاسراف في مخالفة الدستور عبر تمديد من هنا او هنالك معتبراً ان هناك فريقاً في لبنان يراهن على تغييرات اقليمية ودولية ويسعى في الوقت ذاته للمحافظة على التوازن الحاصل عبر التمديد لكل مفاصل الدولة. واضاف ان الخيارات مفتوحة لدينا ونحن جاهزون للتصدي لأي محاولة داخل الحكومة للتمديد للقادة ونحتفظ بخياراتنا المفتوحة على كل الاحتمالات.
واللافت، حسب مصادر وزارية، ان جهات سياسية حاولت الايحاء باشاعة أجواء من الهدوء وأوحت بالوصول الى توافق وبضرورة الحفاظ على الحكومة فيما النقاشات في مجلس الوزراء كانت هادئة بالشكل مع الاحتفاظ بالمضمون، والذي يكشف عن استمرار الخلاف الشاسع حول ملف التعيينات وعرسال. وهذا ما أكدته مصادر التيار الوطني الحر التي اشارت الى ان ملف التعيينات لم يطرح في الجلسة، وان وزير الداخلية اشار الى انه سيقوم بجولة من الاتصالات، لكنه لم يطرح اي شيء جديد.