مرّت جلسة الحكومة أمس بهدوء، بعد أن حظيت أزمة جرود عرسال بنقاشٍ «علمي» بين الوزراء، على أن تتم متابعة النقاش في جلسة خاصة الاثنين المقبل. وعلى رغم التهويل والتصريحات النارية التي أطلقتها بعض شخصيات قوى 14 آذار في الأيام الماضية، استباقاً لإصرار فريق 8 آذار والتيار الوطني الحرّ على طرح الأزمة داخل الحكومة لإيجاد حلّ سريع وجذري لها، ومداخلات بعض وزراء 14 آذار في الجلستين الأخيرتين، إلّا أن التسليم بخطر المسلحين وضرورة علاج أزمة عرسال ترك أثراً واضحاً في موقف تيار المستقبل الضمني، والذي انعكس نقاشاً «لوجستياً» داخل الجلسة.
أكثر من مصدر وزاري في قوى 8 آذار أبدى ارتياحه لأجواء جلسة أمس. ويقول أحد المصادر إن «الميدان والتقدم السريع للمقاومة والجيش السوري والتطورات الإقليمية الأخيرة في سوريا والعراق، دفعت الفريق الآخر إلى القبول على مضض بحل أزمة عرسال». وتضيف المصادر أن «كلام المستقبل في العلن لا يعكس حقيقة المواقف، فالبحث اليوم لم يعد بحل أو عدم حل أزمة عرسال، بل بطريقة الحلّ».
ويشير مصدر آخر إلى أن «النقاش الآن هو نقاش لوجستي حول آلية إخراج النازحين من مخيمات عرسال إلى مواقع أخرى حتى يتمكن الجيش من العمل، فالبحث يجب أن يتركز على حلّ الأزمة وتوزيع النازحين على عدّة أماكن، وليس نقلهم مجتمعين إلى أماكن أخرى ونقل المشكلة بكاملها إلى مكان آخر».
وتقول المصادر إن «المقاومة وفريق 8 آذار بأكمله سيذهبون في مسألة الجرود حتى النهاية لحماية لبنان، وفريق المستقبل لا يحتمل أي تغيّر في الداخل، وتحديداً في الحكومة».
من جهتها، تقول مصادر وزارية في فريق 14 آذار إن «هناك قراراً دولياً وإقليمياً واضحاً بعدم اهتزاز الاستقرار اللبناني، واستقرار الحكومة وبقاؤها من ضمنه، لذلك مهما ارتفعت الأصوات في الحكومة، فإنها ستبقى ضمن السقف». وتقول المصادر إنه «لا أحد يعترض على ضرورة حل مشكلة عرسال، لكن الآلية والطريق هما الخلاف، فعرسال هي مسؤولية الدولة والجيش اللبناني».
وتزامن انتهاء جلسة مجلس الوزراء أمس، وصدور التصريحات والتسريبات من الجلسة، مع أخبار عن تعزيزات كبيرة أدخلها الجيش اللبناني إلى بلدة عرسال من اللواء الثامن، وإقامة حاجز داخل البلدة. وأكدت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أن «حركة الجيش اليوم (أمس) ممتازة، وخطواته تساهم في حماية البلدة وتعزيز مواقعه ومحاصرة نشاط الجماعات الإرهابية». وأكدت المصادر أن «تعزيزات الجيش قوبلت بترحيب واسع من المواطنين». وتربط مصادر متابعة بين خطوات الجيش أمس والتقدم على الصعيد السياسي في مسألة تأمين الغطاء لتحرك جدي للجيش داخل عرسال وفي اتجاه الجرود.
مصادر 8 آذار
مرتاحة لأجواء الجلسة: كلام المستقبل في العلن لا يعكس حقيقة موقفه
بدوره، رأى قائد الجيش العماد جان قهوجي أن «الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد لن تؤثر إطلاقا على إرادة الجيش»، مؤكّداً خلال تفقده فوج المدفعية الأول في الكرنتينا «مواصلة مواجهة التنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية، وأن قوى الجيش تتصدى بشكل يومي للمجموعات الإرهابية التي تحاول التسلل عبر هذه الحدود».
وعلّق الرئيس نبيه برّي أمام زواره مساء أمس على السجالات الدائرة في مجلس الوزراء وخارجه، مشيراً إلى أن «الوضع في لبنان اليوم يسير عكس المنطق، لأنه في الغالب عندما يكون الوضع السياسي مستقراً يستقر الأمن. أما ما نحن عليه اليوم فهو معكوس؛ هناك أمن مستقر في مقابل تشنج وعدم استقرار سياسي. لولا الحوار وضوابطه ما كان في الإمكان توفير هذا الاستقرار الأمني»، مستبعداً «أي احتمال من شأنه عرقلة اجتماعات الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، فلا أحد يستطيع وقف الحوار. هذا الحوار لم ينشأ لو لم أحصل على موافقة سعودية وإيرانية عليه، وهو سيستمر ولن يسع أحد تعطيله. الحوار هو مسلمة المسلمات».
واستهل سلام جلسة مجلس الوزراء، كعادته، بالمطالبة بضرورة انتخاب رئيس جمهورية جديد، وارتأى إرجاء النقاش السياسي بشأن مسألة عرسال إلى نهاية الجلسة، فباشر مجلس الوزراء بمناقشة المواضيع الواردة على جدول أعمال الجلسة أو من خارجه، وتمّت الموافقة على بعض البنود، أهمّها الموافقة على تعيين القضاة ميشال طرزي، طنوس مشلب، محمد المرتضى ومروان كركبي أعضاءً في مجلس القضاء الأعلى، إضافة إلى الأعضاء الحكميين والعضوين المنتخبين.
وأبدى عدد من الوزراء وجهات نظرهم حول أزمة عرسال، أوّلهم وزير الخارجية جبران باسيل الذي رأى أن «ملف عرسال ملف خطير ويفرض علينا نقاشه»، وتطرّق إلى مسألة التعيينات الأمنية، مؤكّداً أنه «لا نستطيع أن نبقى بلا تعيينات أمنية وعسكرية، وموقفنا يتوقّف على ما ستتخذه الحكومة من قرارات في هذا الشأن». ثمّ تحدّث وزير الدفاع سمير مقبل عن أن «الجيش يحكم السيطرة على كل التلال وكل مخيمات النازخين، وأن أي فرد يخرج من المخيم وليس في حوزته إقامة رسمية يسلم فوراً إلى الأمن»، مشيراً إلى أن «80 في المئة من أهالي عرسال يؤيدون الجيش ويتعاطون معه بشكل ممتاز»، محذراً من أن «فتح معركة داخل البلدة ستكون كلفته 300 قتيل من الجيش والأهالي والنازحين».
أما النقاش الأهم فدار بين الوزيرين الحاج حسن ووزير الداخلية نهاد المشنوق، إذ أشار وزير الصناعة إلى أن «معركة القصير أكدت أن خير وسيلة للدفاع عن أنفسنا هي الهجوم، وأننا لا يمكن أن نسمح بتكرار ما حصل في الرمادي وتدمر»، مؤكداً أننا «قمنا بواجبنا لمنع المسلحين من دخول عرسال». وتوسّع الحاج حسن في حديثه متطرقاً إلى «كلام زعيم جبهة النصرة أبو محمّد الجولاني أول من أمس على قناة الجزيرة» ، معتبراً أن «ما قاله يؤكد أن الخطر علينا كبير، ويفرض علينا الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الإرهاب».
وردّ المشنوق على مداخلات الوزراء، متحدثاً عن «الحريق المذهبي الذي يحيط بنا في المنطقة»، مشيراً إلى «أننا إما أن نذهب إليه بأرجلنا أو نحمي أنفسنا منه». وقال «نحن تبنا»، في إشارة إلى دور تياره السياسي في تأجيج الصراع السوري في بدايته، معتبراً أن «الحكومة ليست هي المكان الذي نناقش فيه موضوع عرسال. نحن في السياسة لسنا مختلفين حول دور الدولة والجيش، وفي الشق العسكري على قيادة الجيش أن ترسل إلينا عناصر يشرحون لنا الوضع». وردّ على مقبل قائلاً إن «95 في المئة من أهالي عرسال يؤيدون الجيش»، مؤكداً أن «المعركة في عرسال في حال فتحت فهي لن تكلف كما قال الوزير مقبل 300 قتيل، بل ستتسبب في تفجير الوضع في كل مكان في البلد». وفي موضوع التعيينات، أعاد المشنوق تكرار موقفه بأنه «سيستغل كل الوقت المتاح أمامه حتى آخر ساعة، وهو مستمر في لقاءاته ومشاوراته».