في ظل ما تكشّف بالأمس من وقائع متقاطعة ومتزامنة حكومياً وميدانياً حول حقيقة الأوضاع في عرسال، وجدت «زوبعة» التصعيد والوعيد المثارة على محور الرابية حارة حريك طريقها نحو «فنجان» حكومي رصين وهادئ عطّل مفاعيلها التهويلية وأعاد الأمور إلى نصابها الوطني بعيداً عن «طواحين» الأهواء السياسية. وما مشهد الوقائع الميدانية في عرسال أمس حيث صال وجال الجيش على وقع نثر أهلها الورد والأرز على آلياته بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء وما تخللها من عرض للحقائق الداحضة لنظريات عجز المؤسسة العسكرية عن ضبط الجبهة الحدودية وعن التوغل في أعماق البلدة، سوى أسطع دليل على أنّ الحملة التي يشنها أصحاب هذه النظريات إنما هي في واقع الأمر تتلحّف معركة الخوف من عرسال بغية الولوج إلى ساحة معركتهم الحقيقية الدائرة على أرض «التعيينات» العسكرية والأمنية. وهو ما لاحظه أكثر من مصدر وزاري خلال جلسة الأمس بالقول لـ«المستقبل»: «المداخلات الوزارية العونية بدت تحاكي في ظاهرها قضية عرسال لكنها تستهدف في جوهرها بشكل واضح وجلي ملف التعيينات».
وفي الرصد السياسي التحليلي لأجواء جلسة مجلس الوزراء، فقد أظهرت الجلسة أنّ حملات التلويح الإعلامي بالاستقالة والاعتكاف لا تعدو كونها مجرد حملة تهويلية على المجلس بهدف إخضاعه لرغبات رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في ملف التعيينات لا سيما منها المتصل بموقع قيادة الجيش. وفي حين لفت الانتباه نأي المعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل بنفسه عن هذه الحملة من خلال عدم خوضه في النقاشات المثارة من قبل وزراء «حزب الله» و«التيار الوطني» حول عرسال والتعيينات، برز في الوقت عينه ما كشفته المصادر الوزارية لـ«المستقبل» لجهة أنّ وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن حرص قبيل انعقاد الجلسة على التأكيد لأكثر من وزير أنّ الحزب ليس في وارد لا الاستقالة ولا الاعتكاف من الحكومة، مشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ معظم الوزراء تقاطعوا إثر انتهاء الجلسة عند الإشادة «بالمهارة التي أبداها رئيس الحكومة تمام سلام في إدارة الجلسة، وبالصلابة والصراحة اللتين ميزتا المداخلة التي أدلى بها وزير الداخلية نهاد المشنوق حول حقيقة الأوضاع في عرسال».
وقائع الجلسة
وعن مجريات جلسة مجلس الوزراء، نقلت المصادر الوزارية أن النقاش السياسي في ملفي عرسال والتعيينات افتتحه وزير الخارجية جبران باسيل بطلب إثارة الموضوع فكرر المواقف والشعارات المعروفة التي يثيرها «التيار الوطني الحر» حيال هذا الموضوع، ثم ما لبث أن أعقبه في ذلك الوزير الحاج حسن الذي بادر إلى القول: الهجوم خير وسيلة للدفاع، نحن في «حزب الله» اضطررنا للذهاب إلى القلمون لمنع الإرهابيين من القدوم إلى لبنان واليوم لن نقبل بتكرار تجربة الرمادي (في العراق) لدينا. صحيح نحن أخطأنا سابقاً حين رفضنا إقامة مراكز إيواء للنازحين خارج عرسال لكننا الآن موافقون على ذلك، فلماذا لا تقوم الحكومة بهذه الخطوة»، مكتفياً في ما خصّ ملف التعيينات الأمنية والعسكرية بالإشارة إلى أنّ «حزب الله» يؤيد المطالب العونية حيال هذا الملف.
بدوره، ردّ نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل على ما أثير من هواجس عسكرية في عرسال، فأكد أنّ الوحدات العسكرية اللبنانية تحكم سيطرتها على عرسال وأنّ «80% من أبناء البلدة يناصرون الجيش لكنّ دفعه الى التوغل في معركة هناك يكلّف نحو 300 قتيل». الأمر الذي علّق عليه وزير الداخلية بالقول: «إذا حصل أي أمر من هذا القبيل فلن تقتصر المخاطر حينها على عرسال فقط بل ستتعداها إلى أكثر من مكان في لبنان وقد يذهب أكثر من 2000 ضحية من المدنيين نتيجة ذلك»، وأضاف: «أكثر من 95% من أهالي عرسال هم مع الجيش وليس 80% فحسب، ونحن كقوى أمنية «عم نفلّي النملة» في البلدة بينما المؤسسة العسكرية تحكم قبضتها عليها. وإذا كان المطلوب تحرير جرود عرسال من الإرهابيين، وأنا كنت أول من قال إنها محتلة، فنحن بالطبع لا نمانع لكن بالطريقة التي يراها الجيش مناسبة وليس من خلال التعرّض لقائده بالإساءات التي لا بد أنها تنسحب على المؤسسة ككل وعلى معنويات أفرادها. أما إذا كان المقصود الحديث بالسياسة عن الموضوع فالجيش أساساً لديه تفويض من الحكومة بالدفاع عن الحدود بينما مسألة الدخول في التفاصيل العسكرية ليست مهمتنا ولا اختصاصنا بل هي مهمة واختصاص العسكريين والتقنيين في الجيش».
وأردف المشنوق متوجهاً إلى الوزير الحاج حسن بالقول: «سمعنا روايتكم عن مخاطر الإرهابيين وأسباب التدخل في سوريا التي أصبحت كل معابرها مقفلة حالياً باستثناء معبر دمشق بيروت، غير أنّ تدخلكم هذا كان قد بدأ بحجة الدفاع فقط عن مقام السيدة زينب، علماً أننا لا نوافق على كل تحركاتكم العسكرية لا في سوريا ولا في لبنان»، مضيفاً: «أما مسألة موافقتكم على تفكيك مخيمات النازحين في عرسال بعد 8 أشهر من طرحنا الموضوع، فقد فات الأوان اليوم على ذلك، وإذا كان أحد يريد دفع الجيش للتموضع أمام المخيمات السورية فيجب أن يعلم أنه يكون بذلك يريد تعريض صدر العسكريين للمسلحين وكشف ظهرهم للمخيمات». وعن التعيينات الأمنية، اكتفى المشنوق بالقول: «أنا الوزير المعني باقتراحها والمخوّل طرحها في أوانها على طاولة الحكومة حين يصبح الملف جاهزاً لذلك».
بوصعب: نريد «أكل العنب»
من ناحيته، صرّح وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب لـ«المستقبل» قائلاً: «دخلنا إلى الجلسة بعقل منفتح وبإرادة الشراكة الحقيقية وليس بنية الاختلاف لا مع «المستقبل» ولا مع غيره حول ضرورة قيام الجيش بدوره في عرسال وحول ملف التعيينات الأمنية والعسكرية»، مضيفاً: «التقينا مع دولة الرئيس سلام قبل انعقاد الجلسة وتفاهمنا على ضرورة أن يستمر النقاش حاضراً على طاولة المجلس حول هذين البندين حتى البتّ بهما، وحتى يتحقق ذلك لن يكون هناك جدول أعمال للجلسات المقبلة تماماً كما حصل في ملف الجامعة اللبنانية سابقاً»، وختم بوصعب قائلاً: «نحن لا نريد قتل الناطور إنما أكل العنب».
وكان رئيس الحكومة قد اختتم النقاش السياسي الذي دام قرابة الساعة حول ملفي عرسال والتعيينات بالقول: «قبل دخولنا الجلسة شاعت في البلد أجواء من الويل والثبور تتوعد الحكومة، وإذ بنا نشهد نقاشاً راقياً ومسؤولاً داخل المجلس وآمل أن يبقى الأمر على هذا النحو». وفي ختام الجلسة أعلن وزير الإعلام رمزي جريج عن تخصيص جلسة لاستكمال البحث في هذين الملفين بعد ظهر الإثنين المقبل.
مرجع عسكري
تزامناً، وفي سياق متقاطع مع تشديد قائد الجيش العماد جان قهوجي خلال جولة قام بها أمس في مراكز فوج المدفعية في الكرنتينا على أنّ «الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد والسجالات الداخلية حول الاستحقاقات والمواضيع المطروحة، لن تؤثّر إطلاقاً على إرادة الجيش في الحفاظ على مسيرة السلم الأهلي وحماية العيش المشترك، كما في مواصلة مواجهة التنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية»، أكد مرجع عسكري لـ«المستقبل» أنّ ما يُعلن من مواقف في الآونة الأخيرة حول الجيش ودوره وجهوزيته لا يعدو كونه «قرقعة سياسية لن يدخل الجيش فيها»، مشيراً إلى أن «الوقائع في الميدان بخلاف ما يشاع تؤكد أنّ عرسال تحت السيطرة ولا داعي للقلق».
وأوضح المرجع العسكري أنّ «طائرات المراقبة والرصد من نوع «سيسنا» وغيرها من طائرات الـ«درون» يتم تسييرها على مدار الساعة لمراقبة الجرود والحدود»، جازماً بنتيجة هذه الطلعات الجوية أنّ «لا تطورات جديدة أو تغيرات في المنطقة الجردية اللبنانية بعد معركة القلمون بل على العكس من ذلك مئات المسلحين غادروا الجرود إلى القلمون للمشاركة في المعارك الدائرة هناك وبالتالي أصبح عدد هؤلاء المسلحين أقلّ والجيش يتولى رصدهم ومراقبة تحركاتهم وضربهم عند محاولة أي مجموعة منهم التقدم باتجاه عرسال».
وإذ لفت الانتباه إلى أنّ «مساحة المنطقة الجردية كبيرة جداً من جرود عرسال حتى بريتال»، أكد المرجع العسكري أنّ «غرفة عمليات الجيش تتابع الوضع لحظة بلحظة هناك وتقوم الوحدات العسكرية بدورها المطلوب ميدانياً على أكمل وجه»، مذكراً في هذا المجال بأنّ «الجيش مكلّف أساساً من مجلس الوزراء بحفظ الأمن عند الحدود وفي كل لبنان ويقوم بواجباته على هذا الصعيد، وفي الوقت نفسه هو جاهز لتنفيذ أي قرار تتخذه الحكومة، مع الاستعداد دائماً لتقديم الشرح الكافي والوافي عن المعطيات الميدانية إذا ارتأى مجلس الوزراء الحاجة لذلك».
المستقبل : «ورد» عرسال على الجيش.. والمعركة على «التعيينات»
المستقبل : «ورد» عرسال على الجيش.. والمعركة على...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
830
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro