حالة تحرش كل يوم على الأقل والأقل ، فالفتاة اللبنانية ، تركب "الفان" أو "التاكسي" ، بتخوف من السائق والراكبين من لمسة عابرة "بالغلط" ، ويد تسقط على ركبتها وهي تحرك "الديركسيون" أو تغير الراديو .
و شخص يلتصق بها تحت ذريعة ضيق المكان ، وآخر يمرر يده على ظهرها من الخلف بحجة "واهية" ، ناهيك عن المرآة التي تظل موجهة ، والغمزات ، والنظرات البذيئة .
فالتحرش ليس فقط جسدي ، بل بجانب أكبر هو معنوي ، أن يقيد الآخر نظراتك ، حركاتك ، وأن يعريك من ثقتك ويبث الخوف في داخلك كل هذا تحرش ، بل لا نبالغ أن نقول أن الإرتدادات النفسية للتحرش المعنوي تفوق الجسدية منها .
ولعل ، الإعلام الذي حوّل المرأة لسلعة جسدية ، هو المسبب الأساسي لإنتشار هذه الظاهرة ، فالشباب "المنحرفين نفسياً" ، يحسبون أن كل فتاة مباحة ، بغض النظر إن كانت محجبة أم غير محجبة ، محتشمة أم غير محتشمة ، حتى الجمال لم يعد معيار في إطار إشباع شهوة عابرة ومريضة .
وتظل الفتاة هي الضحية ، فتصمت عن التحرش بها في مجتمع لا يرحم ، بل ويجلدها إن قام ذئب بمسَها ، فهي التي تتحمل مسؤولية إقدامه على دناءة التصرف ، وهي التي بمفهوم الناس أغرته وأغوته ، وإن لم يستطيعوا إعابة أخلاقها ، أعابوا ملابسها ، وإن خانهم الحظ في الحالتين ، نجدهم قالوا "تنضب بالبيت " ، إذ بإعتبارهم عملها أو علمها ، وتنقلها في المواصلات هما من يعرضانها لذلك وطبعاَ ودون أي شك هي الجانية .
والقصص التي تروي التحرش لا تعد ولا تصحى ، فلكل فتاة عدة قصص تخشى الخوض بها ، ريما تقول "ما فيي احكي وسكتت " ، أما عن الذي تعرضته له ، فهو راكب جلس قربها في سيارة التاكسي وكان "يقرصها" بركبتها ، ومع محاولتها لإبعاده إلا أنه لم يحتجب حتى نزوله من السيارة .
وعند سؤاله لماذا لم تصرخي ، لم تقولي للسائق ، قالت : "السائق على أضرب" ، وأضافت : " ما بدي إفضح حالي " .
أما سالي فتعاني من تحرش من نوع آخر ، تقول أكره الفانات والمرايا ، أظل "مرعوبة" ، أشعر أنه يغتصبني بالنظر ، وأعاني طول النهار من هذا الأمر ، فأسأل : هل بي ما يعيب؟ هل أوحي بأني رخيصة ومتاحة ؟
كل هذه الهواجس تسيطر علي ، مع أني حذرة في تعاملي في خطواتي في تصرفاتي .
ريما وسالي نموذجان ، من نماذج لا تعد ولا تحصى ، في مجتمع لم يكتفِ بالتسيب والفوضى والإنحلال ، بل وفوق ذلك أدان الأنثى بجريمة لا إثم لها بها .
أما على الصعيد النفسي ، فالمتحرش هو "مريض نفسيا" ، لأن لا عاقل يقدم على هكذا فعل ، وهو بحسب علماء النفس ، ليس مجنوناً أو أهوجاً ، هو ذو عقدة نفسية ، دفعته لفعل شاذ كهذا ، إلا أن كون فعلته مرضاً ، لا يعني براءته منها ، فهو بتصرفه المنحرف يسبب أمراضاً وعقداً أكثر مرورة لضحاياه الذين يعايشون الخوف من الآخر ، عقدة النقص ، الشعور بالذنب ، الأمر الذي يرتد سلباً على حياتهم الشخصية والعامة .
إذا ، التحرش ظاهرة موجودة في كل مكان ، وإن كنا هنا نركز على المواصلات ، كونها تعطي للمتحرش حرية ممارسة عقده .
ولحل هذه المشكلة لا بد من مواجهتها أولاً ، وكسر حواجز الصمت والخوف ، ورفع الغطاء عن الجناة والإعتراف أن الأنثى التي تعرضت لتحرش هي ضحية لا جانية ، وعلينا دعمها ومساعدتها وليس محاسبتها وإقامة الحد عليها .