اعاد النواب المسيحيون في قوى 14 آذار فتح باب السجال في المادة 49 من الدستور من حيث انتهوا اليه عامي 2007 و2008، ابان الشغور الرئاسي آنذاك، ساعين مجددا الى الخروج من مأزق الاستحقاق من هذا الباب. لم يفلحوا، وكان رأس حربتهم النائب وليد جنبلاط وهو ليس كذلك اليوم، في فرض هذا الخيار وارغام الفريق الآخر على التسليم بانتخاب رئيس من صفوف قوى 14 آذار بالنصف +1. اخفقوا حينما كانوا يملكون ما يزيد على هذا النصاب، وكان ثمة ما يشدّهم الى الوراء ويحظّر عليهم التهور، الى ان ذهبوا بعد ستة اشهر الى الثلثين.
يعودون الآن الى النصف +1 من المكان الذي رفض مجاراة اقتراحهم القديم الجديد، وهو بكركي، عندما اصر حينذاك البطريرك مارنصرالله بطرس صفير على نصاب الثلثين لانعقاد البرلمان وانتخاب الرئيس. بدوره البطريرك الخلف مار بشارة بطرس الراعي ــــ من دون ان يعيد تأكيد المؤكد علنا ــــ ساءه ما اشيع انه ايّد انتخاب الرئيس بالنصف +1.
بذلك انتهى مغزى اجتماع بكركي الثلثاء فور ارفضاضه، واهدرت جدية فرصته. لم يعد على الاثر ثمة مبرر للخوض في ما كان يقتضي ان يليه للضغط واستعجال انجاز الاستحقاق. بالتأكيد، لن يفاتح اي من هؤلاء، بعد الآن، البطريرك في هذا الاقتراح.
مذ رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري في 23 نيسان 2014 الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس، في المهلة الدستورية وقتذاك، وطلب تلاوة محضرها الذي اقتصر على دورة اولى من الاقتراع واعلن المصادقة عليه، حدد سلفا مراحل تعاطيه مع اي موعد آخر لجلسة الانتخاب الذي لم يحصل الى الآن:
1 ــــ اي جلسة يكتمل نصاب ثلثي النواب ستكون مجددا جلسة جديدة لانتخاب الرئيس، منفصلة عن جلسة 23 نيسان 2014 التي تلي محضرها وصار الى المصادقة عليه. تاليا توجب آلية انعقادها، في حضور الثلثين، اجراء دورة اقتراع اولى يفوز بها المرشح الذي يحوز ثلثي الاصوات على الاقل، والا انتقل الى دورة اقتراع ثانية يفوز فيها بالاكثرية المطلقة من الاصوات، لكن في حضور الثلثين على الاقل ايضا. على غرار ما حصل في جلسة 23 نيسان، تبدأ الجلسة المقبلة من الصفر.
بيان بخط الرئيس كميل شمعون في آب 1982
يعلن تمسكه بالثلثين لانتخاب الرئيس | للاطلاع على الصورة المكبرة أنقر هنا
2 ــــ كل جلسة يتلى محضرها ويصادق عليه تصبح كيانا مستقلا منفصلا، تفقد اتصالها بالجلسة التالية وان لم تنجز جدول اعمالها. كذلك الحال مع جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. اضحت جلسة 23 نيسان حدثا في ذاته انقضت مفاعيله في ذلك اليوم. بذلك لا يصح القول ان التئام البرلمان في اي موعد آخر بعد 23 نيسان ــــ وهو اخفق مذ ذاك في 23 موعد حتى الآن ــــ يجعله ينتقل للفور الى الدورة الثانية للاقتراع، سواء حضر الثلثان او الاكثرية المطلقة. لا يلتئم الا بالثلثين، ولن يكون في وسعه اجراء دورة ثانية للاقتراع للفوز بالاكثرية المطلقة قبل ان يجري مجددا دورة اولى بالثلثين.
3 ــــ على مرّ تاريخ انتخابات الرئاسة اللبنانية بدءاً بأولاها عام 1926، لم يسبق ان انعقد مجلس النواب لانتخاب الرئيس في اكثر من جلسة. حُدّد اكثر من موعد للاستحقاقات المتعاقبة. في الغالب موعد واحد، واحيانا اثنان كما في اعوام 1958 و1970 و1976 و1982، كان المجلس ينعقد في الثاني وينتخب الرئيس في احدى الدورتين الاولى او الثانية ما خلا استثناء واحدا عام 1970 بانتخاب الرئيس في الدورة الثالثة. بعد ذلك يرفع رئيس المجلس الجلسة ويطلب تلاوة محضرها ويصادق عليه. مذ درج الشغور تعددت مواعيد الجلسات: عام 1988 حدد الرئيس حسين الحسيني موعدين فلم ينتخب الرئيس، وعاما 2007 و2008 حدد الرئيس نبيه بري 20 موعدا فلم ينتخب سوى في الاخير. الآن تجاوز الشغور 23 موعدا والحبل على الجرار.
4 ــــ لم يقع في حسبان اي من تلك البرلمانات تعذر انتخاب الرئيس في جلسة واحدة، هي الالتئام في معزل عن دورة الاقتراع، ما يحملهم على ارفضاض الاجتماع والذهاب الى جلسة ثانية في وقت لاحق سواء تلي محضرها واقفلت، كما في جلسة 23 نيسان، ام لم يُتل. لم يقع في ظنهم ايضا الخروج من المجلس قبل انجاز الاستحقاق، وهو مغزى التمييز بين الجلسة والدورة. كلاهما منفصل عن الآخر، وله نصابه. اكثر من دورة اقتراع، لكن في جلسة واحدة. وهو ايضا ما عناه لعقود طويلة من الاستحقاقات المتتالية توافق الاقطاب والسياسيين على التركيز على دورة الاقتراع ونصابها، لا على جلسة الانعقاد ونصابها الحتمي بالثلثين.
على مرّ 89 عاما لم
يعز مجلس النواب لانتخاب الرئيس اكثر من جلسة واحدة
ينعقد مجلس النواب مرة. ما ان يفعل، يكب على دورات الاقتراع لانتخاب الرئيس الى ان ينجزه ثم ينصرف. على نحو كهذا، مناصفة تقريبا، سبعة رؤساء انتخبوا من الدورة الاولى (شارل دباس وبشارة الخوري وكميل شمعون وشارل حلو وامين الجميل واميل لحود وميشال سليمان)، وستة من الدورة الثانية (اميل اده وفؤاد شهاب والياس سركيس وبشير الجميل ورينه معوض والياس هراوي)، ورئيس واحد من الدورة الثالثة (سليمان فرنجيه). لكن انتخاب اي منهم لم يحتج الى اكثر من جلسة واحدة. على امتداد 89 عاما، لم ينقص مرة حضور النواب في اي من دورات الاقتراع عن الثلثين على الاقل.
قد يكون ضروريا هنا التذكير بسابقتين كرستا التمسك بجلسة واحدة للانتخاب:
ــــ في 17 آب 1970 عندما رفع الرئيس صبري حمادة الجلسة دقائق للتشاور بعد الدورة الاولى من الاقتراع بين فريقي المرشحين سركيس وفرنجيه، سعيا الى الاتفاق على ثالث فتعذر. سرعان ما استؤنفت، ولم يكن النواب برحوا القاعة.
ــــ في 5 تشرين الثاني 1989 عندما رفع الرئيس حسين الحسيني الجلسة للتشاور ايضا بين ثلاثة مرشحين هم رينه معوض وجورج سعادة والياس هراوي دقائق للتشاور بعد الدورة الاولى، ما لبثت ان استؤنفت بالتفاهم على انتخاب نائب زغرتا.