في محاولة واضحة للالتفاف على مبادرة العماد ميشال عون ونسفها، وتحت عنوان «إيجاد حل لملف الفراغ الرئاسي»، حطّ فريق 14 آذار في بكركي شاهراً سيف النصف زائداً واحداً لانتخاب رئيس الجمهورية. لكنها محاولة بدت مرتجلة وغاب عنها التنسيق، سواء مع البطريرك بشارة الراعي أو بين نواب هذا الفريق أنفسهم، باستثناء «قطبة مخفية» بين النائبين بطرس حرب وجورج عدوان. واستناداً إلى مصادر شاركت في اللقاء مع الراعي، فإن النواب الآذاريين لم يقدّموا، عملياً، مبادرة فعلية. بل إن وجهات نظرهم تباينت في شأن كل من مبادرة عون ومسألة النصاب الدستوري. فقد أيد النائب الكتائبي سامر سعادة، على سبيل المثال، طرح مبادرة عون للنقاش، فيما عارض ذلك النائبان الكتائبيان نديم الجميّل وفادي الهبر.
وبعدما افتتح حرب النقاش «بالتسويق لآلية الانتخاب وفق النصف زائداً واحداً»، انتقد سعادة هذا الطرح، معتبراً «أنه سيقضي نهائياً على دور المسيحيين في الدولة»، لافتاً إلى أن المسّ بالنصاب الدستوري هو «مسّ بالسور الأخير الذي يحمي دور المسيحيين، والتفريط به تنازل مكلف قد يتحوّل سابقة». ولدى طرح سعادة على البطريرك أن يجمع كل النواب المسيحيين في خلوة تستمر أياماً في بكركي يُجبرون فيها على الخروج متفقين، انفعل النائب عدوان، وتوجّه إلى سعادة بالقول متهكماً: «يا بروفسور... نحن منذ سنة نحمل لواء الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية ولا يمكن أن نُساوى بمن يعطّلون الانتخاب». وفيما دعا النائب روبير فاضل إلى التواصل مع الهيئات الاقتصادية لـ»تسكير البلد حتى انتخاب رئيس»، اقترح نائب القوات أنطوان زهرا تنظيم النواب اعتصاماً دائماً في مجلس النواب. وردّ سعادة بأن «هذا الاقتراح غير عملي. وقد يكون له زخم في البداية، ولكنه سرعان ما سيبرد وعندها سيُسجّل علينا كخسارة».
وبعد النقاش، اتُّفق على ثلاث نقاط : أولاً، تشكيل لجنة تتولى التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، والاتفاق معه على الآلية الأنسب لانتخاب رئيس للجمهورية. ثانياً، حضور النواب يومياً الى مبنى مجلس النواب لتأكيد ضرورة انتخاب رئيس. أما النقطة الأخيرة التي أثارت استياء الراعي، بحسب المصادر، فهي دعوة النواب، المسيحيين والمسلمين، الذين يحضرون جلسات الانتخاب الى اجتماع موسع في بكركي.
البطريرك فوجئ
بطرح النصاب الدستوري: مع ما يوافق عليه بري
وقالت المصادر إن الراعي «طلب أن يُخصص الاجتماع الأول للأطراف المسيحية في فريقي 8 و14 آذار ودرس مبادرة عون»، إلا أن «الجميع رفض هذا الطلب، وكان أكثر المعارضين النائبان حرب وعدوان، لأنه لا يجوز أن نجتمع مع أشخاص ينسفون الدستور، ما أثار انزعاج البطريرك». وأكدت أنّ «من الخطأ أن يتحول الراعي إلى حكم في مبادرة عون. ونحن نخشى أن يصدر عن بكركي موقف مزدوج أو لا موقف. وفي رأينا، يجب أولاً انتخاب رئيس، وبعدها نبحث في إمكانية تعديل الدستور».
مصادر قريبة من بكركي أكّدت أن الراعي «فوجئ بطرح النواب مسألة النصاب الدستوري، وعندما اشتمّ من تصريحات بعضهم محاولة لتوريطه، طلب من مكتبه الإعلامي توضيح أن «البطريرك لم يُعط رأيه بالنصاب، بل وافق على نقل الاقتراح إلى الرئيس نبيه بري ومناقشته معه، وما يتفق عليه النواب مع بري يوافق عليه البطريرك». واعتبرت المصادر أن «الراعي هدف إلى توجيه رسالة إيجابية إلى برّي، ولا سيما أن العلاقة مع عين التينة لم تكن على ما يرام في الآونة الأخيرة». وعبّرت مصادر قريبة من نواب 14 آذار عن «عدم رضاها عن بيان بكركي بعد مغادرة النواب الصرح».
وكان الراعي قد أكد خلال لقائه نواب 14 آذار ضرورة «الاتفاق على مخرج ديمقراطي ينطلق من الدستور». وحدد مواصفات الرئيس القوي «في شخصيته الحكيمة الراقية المنفتحة، والقادرة على جمع اللبنانيين حول دولة عادلة وقادرة ومنتجة».
تكتل التغيير والإصلاح ناقش كلام الراعي خلال لقائه الأسبوعي. ولفتت مصادر التكتّل إلى أن «كلامه عبّر صراحة أنه مع هدفنا، ولكننا نتفهم أنه كبطريرك لا يُمكنه أن يؤيد الوسيلة أي المقاطعة». والنقطة الثانية التي عدها التكتل لمصلحته هي «كلام الراعي بأنه يجب الإقرار بأخطاء مخالفة الدستور اقترفها الجميع». واعتبرت المصادر أن «فريق 14 آذار قام بكل ما يُمكنه لقطع الطريق علينا وفشلوا، وما لقاء اليوم (أمس) إلا تأكيد لذلك».
وفي ذكرى مرور عام على الشغور الرئاسي، اعتبر رئيس الحكومة تمّام سلام في كلمة متلفزة أن «لا بديل من التوافق للخروج من الفراغ الرئاسي وأي حل آخر يعكس الغلبة لجهة على أخرى سيولّد أزمة أكبر». وأشار إلى أنه «لم يعد جائزاً أن تبقى الحياة السياسية في لبنان معلّقة ولم يعد جائزاً انتظار تطورات المنطقة».
من جهة أخرى، أكدت كتلة المستقبل النيابية أمس رفض مبادرة عون، واعتبرت أن «الذهاب الى طروحات تحتاج الى تعديلات دستورية لا مجال لبحثها في ظل الشغور الرئاسي تخدم سياسة التعطيل». واستنكرت الكتلة «إمعان حزب الله بخطف الرئاسة عبر التمسك بمرشح وحيد».