على الرغم من إيجابية أيّ حوار ، غير أنّ حوار جعجع عون هو تضييع للوقت وتهدئة للشارع المسيحي ، ولعل مبادرة عون الأخيرة التي أطلقها دون التشاور مع منافسه على الكرسي الرئاسي هي الدليل على أن خطوط التواصل بينهما هي سطحية ولا تدخل في عمق الملف "الملك "..
عون الذي أفرغ ما في جعبته من حلول توصله للكرسي ، وإقتنع أن لا تحالفه مع حزب الله ولا حواره مع المستقبل ، سيمهدان له طريق بعبدا ، إتجه لإطلاق مبادرة لا دستورية وتتنافى مع إتفاق الطائف والدوحة والقوانين الراعية للإنتخاب ، فمبادرته "انتخاب الرئيس من الشعب " ، فصلّها بما يخدم مصلحته ، ليختار القاعدة الشعبية التي تضمن وصوله وهي "الشيعة" .
غير أن الجنرال ، لم يكتفِ بإطلاق المبادرة بل عمد إلى التهديد والوعيد ، والتلويح بالشارع وحرق الدواليب ، فضلاً عن تصريحاته التصعيدية ، من : " لن نقبل ان يعين احد لنا رئيسنا او قائد جيشنا " ، " انتهينا من لعبة "الارانب"، ولن نقبل الا بوصول الأقوى والأكثر تمثيلاً " ، "من يرفضنا نرفضه، ومن لا يريد احترام القوانين سيكون بمواجهة معنا " .
هذه المبادرة التي اصطدمت بنعي من بري ، الذي صرَح بشأنها "بعدني مش شايف نور" ، وبعدم مباركة المستقبل ، الذي أصدر بياناً عن أهمية التمسك بالنظام الديمقراطي البرلماني الذي نص عليه الدستور ، وعدم الإقدام على التورط بما أسماها بدعاً جديدة تشرع البلاد ونظامها الديمقراطي على شتى المخاطر .
هذه الردود الرافضة للمبادرة ، قابلها مباركة من حزب الله والذي لم يتردد أمينه ، في أول إطلالة له بعد مبادرة الجنرال من دعوة اللبنانيين إلى التفكير جدياً بها ، في حين أتخذ الحكيم "الصمت" فلم يصدره عنه تعليقاً على "الفرقعة العونية" .
ولأن الجنرال ، يفسر كل المواقف كما يستهوي ، إعتبر صمت الحكيم قبولاً ، وكأن سيد معراب سيسلم الكرسي الذي دفع ثمنه 11 عاماً في سجن رومية للجنرال " وعطبق من دهب " .
وأحلام عون جعلت أوساط قريبة منه تعلن وبكل ثقة أن هناك اتجاه لدى بكركي والقوات والمردة للقبول بهذه المبادرة .
وهذا ما نسفته بكركي اليوم حيث أعلنت أنها توافق على ما يتفق به الأفرقاء مع بري (يعني أن المبادرة لن تبصر النور ).
ولكن ، وفي صدد كل هذا ما يلوح في الجو السياسي ، هو خيار آخر ، ألا وهو الخروج من معضلة جعجع - عون ، والأهداف الرئاسية لكل منهما ، فالأمر المفروغ منه أن الطرفين لن يتنازلا عن الكرسي لبعضهما ، حيث أنهما يعتبران أن بعبدا هي حق حصري نظراً لما قدماه من تضحيات في المنفى وفي السجن .
ولعل ما صدر عن بكركي اليوم هو تأييد علني ، لما يعمل عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في الملف الرئاسي ، وهو الإتيان برئيس توافقي ليس من أوساط لا 8 ولا 14 .