لطالما شكلت مقولة التقسيم مصدر رعب و خوف عند جميع الدول ، حكومات و شعوبا" ، باعتبار أنها عملية تفتيت ، تطال وحدة البلاد ، و تستنزف مقدرات شعوبها ، و لقد اعتبر كل من يطرح مثل هذه اﻷفكار ، بمثابة الخائن الذي تجب محاكمته و معاقبته .
و لقد دأبت الحكومات على مقاومة هذه اﻷفكار و مواجهتها ، بكل الوسائل الممكنة ، حيث ضمنت دساتيرها و قوانينها بنودا" تؤكد على وحدة البلاد و سلامة أراضيها ، كما شددت على معاقبة دعاة التقسيم و اﻹنعزالية ، لما لدعواهم من نتائج سلبية خطيرة على الكيان و الهوية .
على أن ما تقدم ، من آراء ترفض التقسيم و تدعو إلى مواجهته ، لا يشكل قاعدة ثابتة ، تنسحب على كل زمان و مكان ، ﻷن تغير الوقائع يفرض ، دوما" ، تغيرا" في المعطيات ، و هذا بدوره سيفرض تغيرا" في النتائج . و من هنا ، فإن الدعوة إلى التقسيم ، تكون منبوذة مرفوضة ، في بلاد تسود المحبة شعبها ، و يطغى اﻹنسجام مجتمعها ، ما يشكل عاملا" أساسيا" و شرطا" مهما" للتعايش و اﻹنصهار الوطني .
أما في حال انتشار البغضاء و سيطرة اﻹنقسامات و تفاوت اﻷهداف ( لبنان مثالا" ) فإن مسألة التقسيم تتحول إلى مسألة قابلة للبحث و اﻷخذ و الرد .
و على هذا ، يصبح التقسيم أحد الحلول المطروحة ، ( إن لم يكن الحل الوحيد ) التي يجب أخذها باﻹعتبار ، لكونه يجسد أهون الشرور ، التي تنتج أقل الخسائر .
إن الضرورات تبيح المحظورات ، و إذا كان المحظور هنا هو التقسيم ، فإن حفظ حياة المواطن و ممتلكاته ، يجسد الضرورة بكل ما في الكلمة من معنى .
إن بلدا" تحل الطائفية فيه مكان المواطنة لجدير بالتقسيم ، و إن بلدا" يصبح اﻹقتتال خبزه اليومي ، حري به أن يقسم .
إن بلدا" كهذا ليس وطنا" ، بل هو أوطان عدة ، و هو مقسم واقعا" قبل أن يقسم قانونا" .
فاﻷوطان لا تقوم بوحدة التاريخ و الجغرافيا ، أو بوحدة الدين و اللغة ، إنما بوحدة اﻹنتماء . إن شرط قيامة أي وطن و استمراره هو اﻹنتماء ، ﻷن هذا الشعور ، هو فقط ، الذي يؤسس لمفهوم المواطنة ، و هو فقط من يجذر العلاقة بين المواطنين و يرسخها .
و على سبيل المثال لا الحصر ، فإن الولايات المتحدة اﻷمريكية ، و رغم أنها تضم شعوبا" متعددة اﻷعراق و اﻷديان و اللغات ، فإنها استطاعت صهر جميع هذه الشعوب في بوتقة واحدة هي الهوية اﻷمريكية . و من هنا فإن المعادلة التي تحكم الشعب اﻷمريكي هي وحدة اﻹنتماء الوطني ، و ليس أي شيئ آخر .
و على العكس من ذلك ، فإنه رغم القواسم المشتركة التي تجمع بين اللبنانيين ، من عرق و دين و لغة و تاريخ ، إلا أنهم لا يعيشون حالة اﻹنتماء الوطني ، بل تطغى عليهم مشاعر اﻹنتماء للقبيلة و المذهب ، و هذا بحد ذاته يشكل مصدرا" للشقاق و اﻹنقسام . فعندما يفضل اللبناني الغرباء على أبناء وطنه ، فهذا يعني أننا قد وصلنا إلى مرحلة يصبح فيها التقسيم خلاصا" منشودا" و أملا" مرجوا" .
و أنا أعلم و أنتم تعلمون أن أي استفتاء على التقسيم ، سيلقى تأييدا" من كامل الشعب اللبناني ، خلا بعض الزعماء و المسؤولين الذين يناسبهم بقاء الحال على ما هو عليه ، فهم في النهاية تجار حروب و دماء . أمام هذا الواقع المؤلم فإننا ندعوا القيمين و نحثهم على مقاربة موضوع التقسيم بشكل جدي و واقعي ، و ذلك رحمة بالبلاد و العباد .
و أخيرا" و ليس آخرا" ، فإننا نتوجه بسؤال إلى معارضي التقسيم لنقول : أليس التقسيم ، في حال قبول الشعب به ، جزء من العملية الديمقراطية ؟
أليس التقسيم أفضل من القتل اليومي المجاني الذي نعيشه واقعا" ؟
ألا تعلمون أن لا بقاء لوطن انقسمت فيه قلوب و عقول مواطنيه ؟
عاجلا" أم آجلا" سيصل الشعب اللبناني إلى تبني هذا الخيار مكرها" ، لذلك نقول لكم من اﻵن : إلى التقسيم .... سر .